تستعد الأسر في العالم الإسلامي لاستقبال شهر رمضان شهر الخير والبركة ومعه تكتمل استعدادات العائلات للاحتفاء به لما يتميز به من أجواء خاصة. لكن رمضان هذا العام شبيه بالعام الذي سبقه حيث مازالت جائحة كورونا تلقي بظلالها القاتمة على تفاصيل الحياة مما تسبب في انحسار بعض عادات الشهر الفضيل عند العائلات المستقرة الآمنة، فما بالك بالعائلات التي قذفت بها الظروف المختلفة إلى فضاء اللجوء والنزوح. فقد تضاعفت همومها وباتت بين فكــي فقد الديار والأهل وبين الاحتياجات الضرورية لهذا الشهر مما جعل وضعها بالغ التعقيد وباتت تنتظر من بعد الله عون المحسنين وأهل الخير لتعيش روحانيات هذا الشهر كبقية أفراد العائلة المسلمة الكبيرة.
“منتظرين رحمة الله وفرجه” عبارة تختزل كلاما كثيرا يعبر عن الألم والمعاناة التي يعيشها النازحون السوريون في مخيمات إدلب بسبب حاجتهم المتزايدة للمساعدات الإنسانية في ظل الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا، خاصة وأن شهر رمضان الفضيل قد حل ضيفا كريما عليهم في خيامهم التي ينقصها الكثير حتى تصبح صالحة للعيش لذلك رفعوا الأكف ضراعة بأنهم في انتظار رحمة الله التي تتمثل في عون وغوث أهل البر والخير والإحسان لمد يد العون إليهم.
بعيدا عن الديار ومهد الذكريات غابت الأجواء الرمضانية التي ألفوها منذ أزمان غابرة، فصوت المسحراتي الذي ينادي في الأزقة والحواري قد توارى وسط خيام يلفها البؤس، واجتماع العائلة مساء كل يوم حول وجبة الإفطار بددتها الحاجة والفاقة، والذهاب فرادى وجماعات لصلاة التراويح ما عاد أمرا متاحا، فغابت كل هذه الأشياء التي تمثل روحانيات الشهر الفضيل في دهاليز مأساة النزوح واللجوء.
المخيمات.. موائد إفطار بلا طعام
تفتقر المخيمات في ريف محافظة إدلب شمالي سورية إلى أدنى مقومات الحياة من بنى تحتية وغيره ويعاني النازحون أوضاعا مأساوية من انعدام فرص العمل وضيق في الأحوال المعيشية وترقب دائم للمساعدات الإنسانية.
وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، لم يذق النازحون بهجة حلول شهر رمضان ولا روحانيته، كما يقول سليم بريمو من أحد مخيمات إدلب ” شهر رمضان هو فرحة وعبادة عظيمة لكل الناس، لكننا بالمخيم، كل ما أقبل رمضان والعيد، نعيش كابوسا ، كنا نعايد الناس وندعو الأهل والأصحاب، ولكن في هذه الأيام ماذا أقول ، لقد حرمنا من المسكن وبتنا نعيش في هذه الخيمة وهذا الوحل ، لا يوجد لدينا غاز ونطبخ بالحطب ومواد الطبخ هي الأخرى مثل الزيت والأرز والعدس غير متوفرة، كنا نتبادل الطعام مع الجيران خلال رمضان لكن جاءت كورونا وحرمتنا حتى هذه العادة .. )
ويضيف بريمو “نسأل الله أن ييسر لنا أهل الخير لمد يد العون وانتشالنا من أوضاعنا الصعبة هذه، إننا بحق نعيش في ظروف مأساوية وتكاتفت علينا هموم النزوح واللجوء وانعدام ضروريات الحياة).
أما جمال العلي أحد قاطني مخيمات إدلب فيقول ” الصعوبات كثيرة، أولاً حركتنا متعطلة بسبب عدم وجود المال الذي نتحرك به وأمورنا صعبة ومعقدة للغاية، نجلس الآن في الخيام دون عمل وجاءت جائحة كورونا لتزيد الوضع سوءا “.
ويتذكر العلي “كنا كرماء فيما بيننا نتبادل وجبات الطعام والضيعة كلها تأكل من طبخ بعضها خلال شهر رمضان الآن ما عندنا ما يكفي حاجة أفراد أسرتنا، ننتظر رحمة الله وغوث وعون المحسنين وأهل الخير.
ومازال النازحون السوريون يتطلعون لرمضانات قادمة بعيدا عن مآسي التشرد وضغوط العزل التي فرضتها جائحة كورونا.
المقال منشور في العدد 25 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة