كيف ستؤثر “البلوكشين” على مستقبل العمل الإنساني؟

2022-11-01

ازدادت خلال السنوات الأخيرة وتيرة التغيرات التقنية وتأثيراتها على مختلف مناحي الحياة، إلى درجة صار نجاح أي مؤسسة أو منظمة مهما كان حجمها وريادتها في أي مجال، مرتبطاً بمدى قدرتها على التأقلم مع التغيرات السريعة الحاصلة. ففي عصر (Disruptive Technologies) – أي التقنيات التي جاءت لتحل كبديل عن تقنيات أخرى – شرعت الشركات والمنظمات في إدراج حلول جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق و”الميتافيرس” ضمن برامجها وخططها.  كما برزت كذلك شبكات “البلوكشين” (Blockchain)، التي تهدف إلى إعادة تشكيل العمليات والتفاعلات اليومية التي تتم بين الأفراد والمؤسسات والشركات وحتى المؤسسات الحكومية بطريقة أكثر أماناً وسرعة وشفافية. فماهي هذه التقنية؟ وكيف يمكن الاستفادة من البلوكشين في مجالات العمل الخيري والإنساني؟



ماهي تقنية البلوكشين (Blockchain Technology)؟

باختصار ودون الغوص في الجوانب التقنية للموضوع، البلوكشين هي شبكات لا مركزية تقوم بتسجيل جميع المعاملات التي تتم خلالها من دون أن يكون هناك طرف ثالث وسيط أو جهة مركزية للتحقق من صحة البيانات المتصلة بتلك المعاملات. بحيث تتولى آلاف الأجهزة المتصلة بالشبكة مهمة التحقق من صحة تلك المعلومات. فإذا رفضها جهاز واحد فقط، فإن المعاملة لا تتم. وباستطاعتها أن تجري مئات أو آلاف المعاملات خلال دقائق قليلة.

ومن شأن ذلك أن يجعل من الصعب أو من المستحيل اختراق هذا النظام أو خداعه. وهذا عكس ما هو شائع ومعمول به في الأنظمة المعروفة في حفظ البيانات، عبر تخزينها في مكان مركزي وهو ما يجعلها عرضة لخطر السرقة والاختراق.

لماذا كل هذا الضجيج الحاصل حول هذه التقنية؟

يعود تاريخ بداية تطوير البلوكشين (Blockchain) إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي. لكن خلال السنوات العشر الأخيرة اشتهرت هذه التقنيات لارتباطها بـ “العملات الرقمية”، خاصة “البيتكوين” (Bitcoin)، التي تُعتبر أول ممارسة رقمية ونقل بيانات “بين نظير ونظير” (Peer to Peer) بطريقة لا مركزية دون الحاجة إلى وسيط للتأكد من صحة المعاملة.

بعد ذلك ظهرت شبكة “إيثيريوم” (Ethereum) التي جاءت بمفهوم وتقنية “العقود الذكية” (Smart Contracts)، وهي تطبيقات يمكن تطويرها على شبكات البلوكشين، لاستخدامها في مختلف مناحي الحياة مثل إجراء المبادلات المالية وإبرام العقود القانونية أو أية معاملة يمكن تصورها قد تتم بين طرفين أو أكثر، بحيث تتولى برمجيات العقود الذكية تنفيذها وفقاً لشروط العقد أو الاتفاق، دون الحاجة إلى طرف وسيط. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى خفض تكاليف الوساطة والتنفيذ فضلاً عن منع أي محاولة للتلاعب والاحتيال.

وبعيداً عن الجدل الدائر حول العملات الرقمية، بدأ استخدام تكنولوجيا البلوكشين يأخذ في التمدد والانتشار. حيث شرعت آلاف الشركات، من بينها كبرى الشركات العالمية، في تبني هذه التكنولوجيا، بينما لا تزال شركات أخرى تُخضع هذه الحلول لمزيد التجريب والتطوير. وقد أضحت الكثير من المؤسسات والمنظمات وجهات حكومية ودولية تقوم أنظمتها الرقمية على البلوكشين، في مجالات مثل التعليم والتجارة والصحة والحوكمة وليس انتهاءً بالعمل الخيري والإنساني.



كيف يمكن لمؤسسات العمل الخيري والإنساني الاستفادة من تقنيات “البلوكشين”؟

زيادة الثقة والشفافية

ربما أهم سؤال قد يخطر في ذهن أي شخص عند اتخاذ قرار التبرع لفائدة مشاريع وأعمال خيرية، هو هل ستصل الأموال التي سيرسلها إلى المستفيدين ليكون لها الأثر المنتظر؟ لذلك تعتبر الشفافية وثقة الناس من أهم المواضيع السائدة في العمل الخيري.

ومن خلال دمج حلول “البلوكشين” في تسجيل التبرعات الخيرية، سيتمكن المتبرعون من تتبع تبرعاتهم، ومتى وكيف تم استخدامها. إذ ستوفر شفافية أكبر للمنظمات غير الربحية، وستمنح للمتبرعين والجهات المانحة قدرًا أكبر من المساءلة عندما يتعلق الأمر بكيفية إنفاق التبرعات. ومن شأن ذلك أن يعطي ضمانة أكبر لتوجيه التبرعات نحو وجهتها الحقيقية.

تبرعات أسرع وأكثر أمانًا وفعالية

من بين فوائد “البلوكشين” أنها تسمح للمتبرعين بإرسال الأموال مباشرة إلى المستلمين بشكل يجعل أداء المؤسسات الخيرية أكثر كفاءة لتقلي تبرعات أكثر والتعامل معها بفعالية أكبر.

إذ تساعد هذه التقنية المؤسسات الخيرية والإنسانية على إدارة أموال التبرعات عن كثب، مما يلغي الحاجة إلى هؤلاء الوسطاء.

 بالإضافة إلى إعطاء المتبرعين القدرة على تعقب الوجهة التي ستأخذها تبرعاتهم. إذ تقوم الشبكة اللامركزية بتوثيق التبرعات المختلفة على مدار الوقت. ومن شأن ذلك أن يشجع المتبرعين على المزيد من على التبرع من خلال التأكيد على أن أموالهم ستذهب مباشرة إلى القضية التي يدعمونها.

تقليل التكاليف عن المنظمات الخيرية والإنسانية

مجال العمل الخيري والإنساني، كغيره من المجالات، غالباً ما يحتاج إلى وسطاء وأطراف أخرى من لضمان تنفيذ الخطط والمشاريع، خاصة في المؤسسات الخيرية الكبيرة والمركزية. إذ غالباً تُخخص ميزانيات كبيرة للجوانب الإدارية أو للجهات الوسيطة. لكن مع اعتماد هذه التكنولوجيا سيتم تقليل تلك المصاريف والوسطاء لأدنى مستوى، بما يسمح بتقديم جزء أكبر من التبرعات للمحتاجين.

أتمتة للعمل الخيري بالكامل

يمكن أن تطوير تطبيقات “عقود ذكية” لتكون بمثابة اتفاقيات بين المانح والمنظمة الخيرية أو الإنسانية. إذ يمكن جعل عملية التبرع مؤتمتة بالكامل، من خلال دمج البنود والأحكام ضمن العقود الذكية وجعلها بسيطة وشفافية وسهلة التعقب، مثل متى وكيف سيتم نقل الأموال أو التوريدات والأماكن التي سيتم نقلها إليها.


مشروع (Project Connect) الذي أطلقته اليونيسيف لتعقب مدى ربط المدارس حول العالم بالإنترنت بالإعتماد على تقنية البوكشين
مشروع (Project Connect) الذي أطلقته اليونيسيف لتعقب مدى ربط المدارس حول العالم بالإنترنت بالإعتماد على تقنية “البلوكشين”

هيئات دولية اعتمدت على “البلوكشين” لدعم القضايا الإنسانية

1* الأمم المتحدة: “البلوكشين” لمساعدة اللاجئين والمتضررين من تغيرات المناخ

دعّمت الأمم المتحدة من قدرتها على دعم القضايا الإنسانية من خلال تبنيها لتقنية “البوكشين”. إذ اعتمدت على هذه التكنولوجيا في تسجيل بيانات بصمة قزحية العين بدل بطاقات الهوية من أجل مساعدة المتضررين من تغير المناخ إلى جانب صرف الأموال لللاجئين السوريين.

2* اليونيسيف: ربط مدارس العالم بطريقة أكثر شفافية وإنصافاً

أطلقت اليونيسيف الكثير من المبادرات التي تعتمد على شبكات “البلوكشين”، من أبرزها مشروع (Project Connect)، وهي مبادرة تهدف إلى رسم خريطة لكل مدرسة في العالم من أجل توفير بيانات في الوقت الفعلي لتقييم جودة اتصال بالإنترنت لكل مدرسة، مما يؤدي إلى إنشاء مقياس يمكن ملاحظته لمدى التقدم نحو تمكين الوصول إلى المعلومات والفرص لكل مجتمع.

3* برنامج الغذاء العالمي: (Building Blocks) للتصدي للجوع في العالم

أطلق برنامج الغذاء العالمي تقنية (Building Blocks) من أجل إيجاد حلول مبتكرة في تقديم المساعدات الغذائية وتتبع التبرعات للتصدي لمشكلة الجوع في العالم. ويتم ذلك من خلال تشفير تحويلات الأموال وتأمينها وتقليل الوسطاء.

وقد نجحت هذه المنصة في تقليل الرسوم بشكل كبير، في مقابل سرعة سهولة أكبر في إرسال التبرعات.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق