يجوز للحانث أن يعود عن يمينه المنعقدة إن كان في ذلك خير. فقد روى مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) رواه مسلم. وتكون بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، يفعل إحداها على التخيير، فإن لم يقدر على أيٍ منها صام ثلاثة أيام، تلك هي شروط كفارة اليمين. لنتعرف على مسائل أخرى في الكفارة.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
- 1* كفارة اليمين على الترتيب المذكور في الآية
- 2* كيفية الإطعام
- 3* الصيام في حال العجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة
- 4* عدم الاكثار من الحلف
- 5* اليمين التي تلزمها كفالة
- 6* اليمين بقصد الإكرام
- 7* لا كفارة على يمين اللغو
- 8* لا تصح الكفارة بالصوم إلا عند العجز عمّا سواه
- 9* قول إن شاء الله
- 10* الشك في الحلف
- 11* مقدار كفارة اليمين
- 12* الحنث في اليمين لمصلحة
1* كفارة اليمين على الترتيب المذكور في الآية
كفارة اليمين تكون بأحد الأمور الأربعة:
1 – إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم المرء وأهله ولذلك عدة صور- منها أن يعطي كل واحد منهم مداً من غالب قوت أهله، ومنها أن يغديهم أو يعشيهم، ومنها أن يدفع لهم قيمة الطعام إن كان ذلك أصلح للفقراء.
2 – كسوة عشرة مساكين يعطي كل واحد منهم ثوباً.
ولا يجزئ فيها غير الإطعام، أو الكسوة، مع القدرة على أحدهما، ولا بد من استيفاء العدد المذكور. وهذا مذهب الجمهور. وعند الحنفية يجزئ إخراج القيمة، ويجزئ دفع الكفارة لواحد في عشرة أيام. والرأي الراجح هو رأي الجمهور.
3 – عتق رقبة عبدٍ أو أمةٍ.
وهذه الأمور الثلاثة على التخيير، يفعل الحانث أيها شاء فإن عجز عنها جميعًا انتقل إلى الأمر الرابع وهو:
4 – صيام ثلاثة أيام.
وهذه الكفارة بأقسامها الأربعة مذكورة في كتاب الله تعالى، قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم). [المائدة: 89].
2* كيفية الإطعام
وأما الإطعام الذي جعله الله كفارة لليمين: قد بينه سبحانه بأنه إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تعتادون إطعام أهليكم منه، قدراً ونوعاً، لقوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89}.
والواجب أن يدفع إلى كل واحد منهم المقدار المجزئ في الكفارة وهو مد من طعام أي حوالي 750جراما تقريبا من الأرز.
3* الصيام في حال العجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة
من لزمته كفارة يمين أو أكثر خير بين ما تيسر له من ثلاثة أمور: إطعام عشرة مساكين عن كل كفارة، أو كسوة عشرة مساكين، أو تحرير رقبة. أما من لم يكن في مقدوره الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة، فله أن يكفر عن أيمانك بالصيام عن كل يمين ثلاثة أيام.
ولا تجب الاستدانة في الكفارة، لمن يكن له مال، بل ينتقل المكفر إلى الصوم مباشرة إذا عجز عن التكفير بالإطعام، أو الكسوة، أو العتق؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) {المائدة:89}.
4* عدم الاكثار من الحلف
ينبغي على المسلم ألا يكثر الحلف بالله سبحانه؛ لما في ذلك من جرأة وعدم تعظيم له سبحانه. يقول تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) {البقرة:224}، ويقول أيضا: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) {المائدة:89}.
وقد ذكر الله العبد الذي يكثر الحلف، وأدرج وصفه ضمن أوصاف غير محمودة، كالمشّاء بالنميمة، والهمّاز، وغيرها. قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) {القلم:10-13}.
5* اليمين التي تلزمها كفالة
تلزم الكفارة في اليمين المنعقدة، أي الحلف على فعل أمر في المستقبل، أو عدم فعله. ويقصد الحالف بحلفه التأكيد، والتوثيق عليه، وهو المراد بقوله: (عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) {المائدة:89}، أي نويتم عقدها بقلوبكم، والعزم على الفعل، أو الترك.
حيث تجب الكفارة عند الحنث في اليمين المنعقدة. وقد جاءت الكفارة في آية (لا يؤاخذكم الله …) على التخيير والترتيب، أما التخيير فيكون في العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور، فإن لم يقدر على واحدة منها، فإنه يصوم ثلاثة أيام.
6* اليمين بقصد الإكرام
اختلف العلماء حول وجوب الكفارة في يمين كان قصد الحالف فيها مجرد إظهار الإكرام دون أن ينوي الإلزام بذلك.
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وجوبها. وقال في الفتاوى الكبرى: “لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه، لا إلزامه به؛ لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف.”
أما ابن قدامة رحمه الله فقال في المغني: “فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا، فأحنثه، ولم يفعل، فالكفارة على الحالف، كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة، وعطاء، وقتادة، والأوزاعي، وأهل العراق، والشافعي؛ لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه”.
7* لا كفارة على يمين اللغو
إذا حلف الشخص على شيء يظنه واقعًا، ثم ظهر خلاف ذلك فلا كفارة فيه. ونفس الشيء إذا نطق باليمين من غير قصد، كاليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه دون قصد الحلف، فلا كفارة أيضًا في قول أكثر أهل العلم؛ لأن ذلك من لغو اليمين. وقد قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) {المائدة:89}.
وأخرج أبو داود، وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو – أي يمين اللغو – كلام الرجل في بيته، لا والله، وبلى والله. وصححه الألباني مرفوعًا في إرواء الغليل.
8* لا تصح الكفارة بالصوم إلا عند العجز عمّا سواه
لا تصح الكفارة بالصوم إلا عند العجز عما سواه، فجاءت الكفارة في الآية على التخيير (بين خصال ثلاث هي: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين)، والترتيب إن لم يقدر على واحدة مما سبق ذكره، فإنه يصوم ثلاثة أيام.
9* قول إن شاء الله
يعبر قول إن شاء الله استثناء في اليمين. جاء في زاد المستقنع: “ومن قال في يمين مكفرة: إن شاء الله، لم يحنث.”
واليمين المكفرة في شرح الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في “الشرح الممتع” هي التي: “تدخلها الكفارة، مثل اليمين بالله، والنذر، والظهار، فهذه ثلاثة أشياء كلها فيها كفارة، وخرج بذلك الطلاق، والعتق فلا كفارة فيهما.
فإن قال في اليمين المكفرة: (إن شاء الله) لم يحنث، أي: ليس عليه كفارة، وإن خالف ما حلف عليه، مثال في اليمين بالله: قال: والله لا ألبس هذا الثوب إن شاء الله، ثم لبسه فليس عليه شيء؛ لأنه قال: إن شاء الله، ولو قال: والله لألبسن هذا الثوب اليوم إن شاء الله، فغابت الشمس ولم يلبسه، فليس عليه شيء، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث “.
10* الشك في الحلف
إذا شك الشخص في كونه قد حلف أم لا، فلا كفارة عليه. لأن الأصل عدم اليمين حتى يثبت بيقين. أما إذا تحققت من حلفه أو غلب على ظنه فتكون يمينه قد انعقدت، لأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين عند أكثر أهل العلم.
11* مقدار كفارة اليمين
مقدار كفارة اليمين هو كيلو ونصف من غالب طعام أهل البلد. والكفارة لا تخرج إلا من الطعام عند الجمهور. لكن من أهل العلم من يقول بجواز إخراجها نقوداً.
12* الحنث في اليمين لمصلحة
قد يحلف الواحد لسبب ما كالغضب أو الحمية، ثم يزول ذلك السبب، ويرغب بإتيان خلاف ذلك فجعل الشارع له مخرجا للعود في يمينه. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة، قال: أعْتَم رجل عند -النبي صلى الله عليه وسلم-، ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا، فأتاه أهله بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثم بدا له فأكل، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليأتها، وليكفر عن يمينه.”
قال النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث دلالة على أن من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيراً من التمادي على اليمين استحب له الحنث وتلزمه الكفارة، وهذا متفق عليه.
المصدر: مقالات وفتاوى مختارة من شبكة إسلام ويب – بتصرف