ليس هناك درس أكثر قساوة وتجربة عملية أكثر مرارة للتوعية بمخاطر الأمراض المعدية والأوبئة على البشرية جمعاء، بشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ عقود طويلة، بمثل ما عاشته البشرية مع وباء كورونا العالمي (COVID-19)، الذي هزّ العالم منذ قرابة سنتين، وما أعقبه من نُسخٍ متحورة آخرها المتحور “أوميكرون” – الذي قد لا يكون الأخير -. بل أن آثار الوباء مسّت سلباً الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للكثير من الدول على المدى الطويل. لذلك سارعت الأمم المتحدة عام 2020 إلى إعلان اليوم الدولي للتأهب للأوبئة، الذي يصادف 27 ديسمبر من كل عام، بهدف زيادة الوعي والحث على تبادل المعلومات العلمية وأفضل الممارسات والتدريب حول أفضل برامج المناصرة بشأن الأوبئة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية كإجراءات فعالة للاستجابة والوقاية من الأوبئة.
مخاطر الأوبئة ما تزال قائمة ما لم نتحكم في مسبباتها
وفقًا لتقرير أصدره “المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية” (IPBES) في شهر أكتوبر 2020، فإنه ما لم يكن هناك تغيير في النهج العالمي للتعامل مع الأمراض المعدية، ستكون هناك احتمالات كبيرة لوقوع أوبئة مستقبلية تنتشر بسرعة أكبر، بل قد تتسبب في المزيد من الضرر للاقتصاد العالمي ووقوع وفيات بأعداد أكبر من تلك التي تسبب فيها (COVID-19). إذ أن نفس الأنشطة البشرية التي تؤدي إلى تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، تؤدي بدورها أيضًا إلى مخاطر الأوبئة من خلال تأثيرها على البيئة.
دروس من جائحة كوفيد من أجل تأهب أمثل للأوبئة المستقبلية
تشير تقارير إلى أن حوالي 60٪ من الأمراض المعدية البشرية الحالية منشؤها حيواني، و 75٪ من الأمراض المعدية الناشئة (بما في ذلك مرض إيبولا وفيروس نقص المناعة والإنفلونزا و COVID-19) لها أصل حيواني. لذلك أصبحت السيطرة على مسببات الأمراض الحيوانية المنشأ من مصدرها الحيواني هي الطريقة الأكثر فعالية واقتصادية لحماية الناس ومنع ظهور أمراض جديدة نظراً للترابط العميق بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
كما أنه بالرغم من أن (COVID-19) ترجع أصوله إلى ميكروبات حيوانية – مثل جميع الأمراض ذات المنشأ الحيواني -إلا أن ظهوره كان مدفوعًا بالكامل بأنشطة بشرية عبر الاتجار العشوائي بالحيوانات ما أدى إلى زيادة احتمال انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات إلى البشر.
ومن أجل إعداد مجتمعاتنا لمواجهة الجائحة في المستقبل بشكل أفضل، يتطلب ذلك بناء أنظمة صحية مرنة وقوية يمكن أن تصل إلى الجميع بما في ذلك الأشخاص الأكثر ضعفاً، ومشاركة ونقل الخبرات المستفادة بشأن إدارة الأوبئة، وتعزيز التعاون الدولي والتعددية بشأن المخاوف الصحية. بمعنى آخر أننا بحاجة إلى تبني فهم أوسع للأوبئة والروابط العميقة بين صحتنا وصحة بيئتنا على أرض الواقع.
نهج صحي عالمي موحد
أطلقت هيئات دولية هي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE) ، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO) برنامج (One Health) الذي يتشكل من فريق خبراء رفيع المستوى، من أجل التنبؤ بالتهديدات الصحية العالمية ووضع خطط استجابات شاملة لها عبر حشد القطاعات والتخصصات والمجتمعات المتعددة للعمل معًا للتصدي للأخطار التي تهدد الصحة والنظم البيئية، مع معالجة قضايا التنمية المستدامة الأخرى – المياه النظيفة والطاقة والغذاء والهواء النظيف وتغير المناخ وغير ذلك.
حيث يعد (One Health) نهجًا متكاملًا وموحدًا يهدف إلى تحقيق التوازن المستدام وتحسين صحة الناس والحيوانات والنظم البيئية. إذ أنه يعترف بالارتباط الوثيق بين صحة البشر والحيوانات الأليفة والبرية والنباتات والبيئة الأوسع نطاقا (بما في ذلك النظم البيئية) فيما بينمها واعتمادها على بعضها البعض.