من نزوحٍ لآخر، ومن خيمةٍ لأخرى هذا هو حال أكثر من مليوني نازحٍ في شمال غربي سوريا، وتحديداً في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي. حيث تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أنّ 900 طفل قُتلوا جراء النزاع في سوريا خلال العام الماضي م2020، أكثر من 75 بالمائة منهم كانوا في الشمال الغربي من البلاد. وتقدّر المنظمة أنّ 1.2 مليون طفل بحاجة للمساعدات الإنسانيّة الملحّة في هذه المنطقة.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
ومع دخول الكارثة الإنسانيّة في سوريا عامها الحادي عشر، فإنّ جيلاً كاملاً من الأطفال السوريين في المخيمات والمدن، ترعرعوا في ظل وضعٍ إنسانيّ متدهور، وعجزٍ اقتصاديٍّ كبيرٍ تعيشه الأسرة السوريّة، مما حفز الأسر على انضمام أطفالهم إلى سوق العمل، والانخراط في اعمال شاقة لا تتناسب مع قدراتهم الجسديّة.
حماية الطفل أولويّة
صنّفت الأمم المتحدة خدمات الحماية بما فيها حماية الطفل بأنّها من الخدمات “المنقذة للأرواح”. واشترطت على أي تدخلٍ إنسانيٍ أخذ مبادئ الحماية بعين الاعتبار أثناء تنفيذ المشاريع الإنسانية في كافة القطاعات الإنسانيّة بالتركيز على الأطفال النازحين في المخيمات والذين هم الأشد ضعفاً.
حيث يعاني الأطفال النازحين من مخاطر عدة طلباً للأمن؛ لذا تصنّف خدمات حماية الطفل بأنها أساسيّة. وهو النهج الذي انتهجته بدايةً المنظمات الإنسانية العاملة في شمال سوريا ، ولكن امتداد الكارثة واستمرارها، واستقرار النازحين في مخيماتهم خلق احتياجات من نوع آخر.
في الواقع، انفصل العديد من الأطفال عن ذويهم أثناء النزوح أو فقدوا أحد أبويهم أو كلاهما. واستقر الأطفال في بيئة جديدةٍ وبعد النزوح، تركوا خلفهم أصدقاءهم ومدارسهم. وانتهى بهم الأمر لخيمةٍ لا ترد عنهم برد الشتاء ولا حرّ الصيف. كلّ هذه الأحداث مجتمعة خلقت صدماتٍ نفسيّة وآثارا سلبية على الصحة النفسيّة للطفل، مما انعكس سلباً على سلوكيّاته الاجتماعيّة. وانتشرت ظواهر نفسيّة أخرى كالخوف الشديد، والانطوائية وغيرها. فكان لابدّ من وجود تدخل فوريًّ يعنى بالرفاه النفسي للطفل ويحسّن الصحة النفسيّة له وينشئ أيضاً نظام إحالةٍ مجتمعيّةً تستجيب لمثل هذه الحالات في حال اكتشافها.
مراكز صديقة للطفل
واستنادا على ذلك قامت قطر الخيريّة، وبشراكةٍ استراتيجية مميّزةٍ مع صندوق قطر للتنمية، بافتتاح ثلاثة مراكز صديقةٍ للطفل في مناطق الباب وإعزاز وعفرين، قرب مخيمات النازحين في شمال سوريا. تهدف إلى توفير الخدمات الاجتماعيّة والترفيهيّة وخدمات الدعم النفسي لعدد 23,900 من الأطفال المتضررين، ذلك بالإضافة إلى التعليم باللعب والتشجيع وزرع الثقة بالنفس لدى الأطفال.
بدايةً تم اختيار المراكز الصديقة للطفل بناءً على معايير الأمن والسلامة التي حددها القطاع الفرعي لحماية الطفل، مع ضمان وصول الأطفال النازحين للمراكز بسهولة. حيث تم توفير المواصلات لجميع الأطفال بما فيهم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة . كما تم ترميم وتزيين المراكز بالرسومات والألوان المبهجة، مع توفير الأثاث اللازم من طاولات ومقاعد وألواح للرسم والكتابة والقرطاسيّة وغيرها.
الدعم النفسي
يعرف الدعم النفسي الاجتماعي بأنّه العمليات والإجراءات التي تعزز من الرفاه الكليّ للأشخاص في عالمهم الاجتماعي. وهو عملية تسهيل القدرة على التأقلم لدى الأفراد والأسر والمجتمعات. ويهدف الدعم النفسي الاجتماعي إلى مساعدة الأفراد على التعافي وتعزيز قدرتهم على العودة إلى الحالة الطبيعية بعد معايشتهم لأحداث صعبة.
تقدم المراكز الدعم النفسي الاجتماعي المنتظم لصالح 3,000 طفلٍ، من خلال 16 جلسة مدة كل منها 45 دقيقة. ويستند هذا التدخل إلى منهجٍ متخصّصٍ “أنا أتعامل” تم تطويره من قبل منظمة أبناء الحرب، وتمّ تعميمه على السياق السوري من قبل المختصين القائمين على المشروع.
منهجية التطبيق
تعتمد منهجيّة التطبيق بشكل مباشرٍ على الحوار مع الأطفال في مجموعاتٍ صغيرةٍ، والذي يتمحور حول القيم التي نسعى إيصالها للأطفال. بالإضافة إلى تطبيق أنشطةٍ مشتركةٍ وألعاب تفاعليّة ضمن فريق من خلال إشراك الأطفال جميعاً والأخذ بآرائهم ومناقشتها. ومع نهاية الجلسات، يكتسب الأطفال المهارات المطلوبة ويصبح الطفل أقل تعنّتاً وعناداً. هذا وتأخذ الأنشطة بعين الاعتبار إشراك الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في كافة الألعاب وجلسات النقاش.
نشاط ترفيهي
عبر فرق جوالة تزور المخيمات، تقدم المراكز أنشطة ترفيهيّة لمجموعةٍ من الأطفال في مخيمات النزوح بهدف تحسين حالتهم النفسيّة وإضفاء جوٍّ من المرح، وتعليمهم ألعاباً هادفةً من خلال ثلاث فرقٍ جوّالةٍ تزور المخيمات بشكل يومي.
مهارات أبويّة
لا شك أنّ واقع النزوح خلق ضغطاً نفسيّا لدى مقدمي الرعاية، تشمل تأمين أولويات العيش؛ مما أدى إلى تراجع اهتمامهم بأطفالهم. لذا تم تصميم جلسات المهارة الأبوية والتي تهدف إكساب مقدمي الرعاية مهاراتٍ إضافيةٍ للتعامل مع أطفالهم في واقع النزوح. وقد قسمت هذه الجلسات إلى 12 جلسة تستهدف مجموعات مقدمي الرعاية وفق منهج “أنا أتعامل” ، والذي يقدم منهجيّة متكاملة تتمحور حول الأطفال ومقدمي الرعاية.
إدارة الحالة
تعرّف إدارة الحالة في ملف حماية الطفل بأنّها عملية متكاملة يقوم بها “عاملو أو مديرو حالة” ممن عم قد اكتسبوا التدريب اللازم لمتابعة قضايا حماية الطفل والاستجابة للمخاطر المحددة. يستهدف نشاط إدارة الحالة في المشروع الأطفال الذين لديهم عوامل ضعف إضافيّة عن زملائهم، حيث يتم تقييم وضع الأطفال ليتم بعدها تقديم الخدمة للطفل ومتابعة الحالة بسريّة تامة .
تم التركيز على تقديم الخدمات اللوجستيّة بشكل مباشر للطفل (كالسماعات الطبيّة، النظارات، كرسي متحرك للأطفال المعاقين، أحذية طبية، وغيرها). أمّا الخدمات التي تتطلب متابعة أطول وتخصّصاً أكبر فتتم إحالتها إلى المنظمات المتخصّصة ، حيث يقوم فريق إدارة الحالة بشكل شهري بتحديث خارطة الخدمات المقدّمة من قبل جميع المنظمات الإنسانيّة واستقبال وإرسال الحالات من وإلى هذه المنظمات.
رفع الوعي
يستهدف هذا النشاط الأطفال بما فيهم المراهقين، عبر تقديم جلسة توعية من قبل مرشد مختص بمكافحة قضايا التحرش والاستغلال الجنسي. بدايةً يتم شرح الأفكار بشكل مبسّط يفهمه الطفل والمراهق. ليتم بعدها مناقشة آليات الشكاوى والاستجابة المتوفرة. يستفيد من هذا النشاط نحو 800 طفل ومراهق. ويتوقع أن يزيد هذا النشاط من وعي الأطفال حول هذا الخطر وبالتالي تقليل حدوثه.
استجابة مجتمعيّة
يهدف هذا النشاط إلى إنشاء استجابة مجتمعيّة، وتعزيز دور المجتمع بالتصدي لمخاطر حماية الطفل أنّا وجدت. وذلك عبر تدريب العمال الإنسانيين في مجال حماية الطفل، وأيضاً تحديد وتدريب أشخاص من المجتمع ذاته على المعايير الاساسية لحماية الطفل، وإحالة القضايا المستعجلة لمقدمي الخدمة في المنطقة. حيث أنّ هؤلاء الأشخاص سيكتسبون الخبرات اللازمة، وسيستمرون بأداء عملهم حتى بعد فترة نهاية المشروع.
إعادة البسمة
يسعى هذا التعاون استراتيجي بين صندوق قطر للتنمية، والهلال الأحمر القطري إلى إعطاء الامل، و إعادة البسمة إلى شفاه الأطفال المتضررين من الكارثة الإنسانيّة في سوريا عبر ترميم “الصدع النفسي” العميق الذي خلّفه عقداَ من الصراع والذي لا يزال مستمراً. كما نسعى لتطوير وسائل وممارسات حماية الطفل ، عبر وضع سياسات ناظمة وتحديد طرق الاستجابة وتحديثها، والمناصرة عبر المحافل الدوليّة لحق الأطفال بالعيش بكرامة ورفاه اجتماعي مع أهلهم وذويهم. وبموازاة ذلك، بدورها تسعى جمعيّة قطر الخيريّة إلى تأمين حياة كريمة للأطفال اليتامى عبر تأمين كفالة شهريّة لأكثر من 200,000 طفل حول العالم.
المقال منشور في العدد 26 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة