كانت رسالتي واضحة عندما قررت دخول مجال الإعلام بأن أنقل الرسالة بمصداقية بعيداً عن التزييف، وكان هو الهدف عندما تطوعت في الأعمال الإنسانية مع قطر الخيرية. هذهِ الرسالة التي تمسكتُ بها جعلتني أتعرف على نفسي من جانبٍ آخر بعيداً عن الاستوديو وكاميرا التلفزيون ( هُناك على أرض الواقع ) حيث اللاجئون ومن خرجوا من ديارهم بحثاً عن الحياة.
كانت البداية من بنغلاديش حيثُ الروهينجا في كوكس بازار والمنازل المصنوعة من الورق وعيدان الخيزران والممرات الطينية بعد هطول الأمطار والوجوه التي أرهقتها قسوة الحياة ومع ذلك لم تبخل على من يراها بابتسامةٍ عريضة فيها أمل رغم الألم.
المحطة التالية والتي اعتبرها أمنية بفضلٍ من الله تحققت عندما زرت اللاجئين السوريين في تركيا – غازي عنتاب، ورأيت كيف هي حياة اللاجئين في بلد اللجوء وإن كانت حياةً كريمة ولكن ينقصها أن تكون على أرض الوطن الذي لا يبعدُ عنهم سوي دقائق.
وكذلك الحال في لبنان حيث المخيمات العشوائية التي زرناها بعد العاصفة الثلجية في عرسال، فعندما وصلنا هناك بعد مشوار طويل ترجلتُ من الباص مباشرةً وبداخلي رغبةٌ قوية لأتعرف على من أجبرتهم الظروف أن يمكثوا لسنواتٍ في تلك المخيمات هُم وأطفالهم الذين لم يتعرفوا على وطنهم إلا بالإسم لأنهم ولدوا خارج حدوده، ومن محاسن الصدف أول من تعرفتُ عليه طفلة اسمها غزل لا يتعدى عُمرها التسع سنوات ولكن بحديثها وأسلوبها وشجاعتها جعلتني أعتقد أنها في العشرينيات.
استقبلتنا وكأنها تعرفنا منذُ زمن، ورغم سوء الحال كانت تسألنا ببشاشةٍ كيف الحال .! سؤال نحنُ من يجب أن يطرحهُ عليها .!!
تطوعت لتكون لنا مرشدة في داخل المخيم وكم كانت سعيدة أن تفعل ذلك دون مقابل والذي أثبت هذا أنني عرضتُ عليها أن تأخذَ بطانيات تقيها من برد الشتاء لها ولعائلتها عندما كانت تقوم بمساعدتي على توزيعهم للاجئين ولكنها رفضت لأنها أخذت نصيبها من قبل .
في لحظةٍ جميلة أحسستُ أنني أمام مراسلةٍ تلفزيونية تنقل لي الحدث والتفاصيل لكل ما أراهُ أمامي خاصة عندما استضافتني في منزلها المتواضع الذي يجمعهُم كإسرةٍ واحدة حول ( الصوبيا ) وهي وسيلتهُم للتدفئة من برد الشتاء القارس بعد الحصول على زيت التدفئة عندما يتوفر المال لشرائهِ.
كم كانت فرحتها كبيرة عندما زرنا مدرستها التي تضم عدداً قليلاً من الأطفال لصغر مساحتها ولكن بها تجدُ سعادتها بالغناء بحنين للوطن وكأنها تهرب بذلك من واقعها إلى عالمها الصغير الذي يشاركها فيه أطفالٌ يعيشون نفس الوضع وربما أكثر سوءاً.
وعندما ودعتني في نهايةِ رحلتنا في مخيمهم هُنا أدركت أنني عندما ذهبتُ لمساعدتها وجدتها هي من ساعدتني، بعد هذه اللحظة وغيرها الكثير أصبحتُ أكثر يقيناً أن اللاجئين ومن أجبروا على النزوح رغم الجروح لديهم نسبة عالية من الطموح.
المقال منشور في العدد 26 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة