“ملاك الرحمة” و”إمبراطور الخير” و”أبو الفقراء” .. ألقاب اجتمعت في الشيخ الباكستاني عبد الستار إيدهي، الذي نذر حياته لزرع الفرحة في نفوس الفقراء والبسمة على شفاه المساكين، كان يواصل الليل بالنهار تفقدا لأحوالهم ووقوفا على احتياجاتهم حتى كسب قلوب الجميع بصنيعه الخير وعمله النافع من خلال مؤسسة ضخمة للرعاية والإغاثة تقدم خدماتها داخل باكستان وخارجها ولديها أسطول ضخم من سيارات الإسعاف. عاش فقيرا رغم شهرته العالمية، ارتضى حياة الكفاف والعيش في مسكن متواضع ليكفكف دموع المعوزين ويسكت آنات بطون الجوعى وينام الصغار قريري العين.
المولد والنشأة
ولد عبد الستار إيدهي عام 1928 في منطقة بانتفا قرب جونا غار في ولاية غوجارات الهندية، وتزوج عام 1965 من بلقيس الممرضة التي اشتغلت إلى جانبه في المؤسسة الخيرية وله منها أربعة أبناء.
العمل الخيري
بدأ عبد الستار الاهتمام بالعمل الخيري في سن مبكرة عندما أصيبت أمه بالشلل، ثم بمرض عقلي لاحقا، حيث تكفل بتنظيفها وتغيير ملابسها وتغذيتها بيده، وكانت تعتمد عليه كليا في كل شؤونها الخاصة، مما اضطره للتخلي عن الدراسة وتكريس كل وقته لأمه التي لقيت ربها وكان عمره وقتذاك 19 عاما.
كان لتجربة إيدهي في رعاية والدته الأثر البالغ في تشكيل حياته، حيث بدأ يفكر في الحالات المشابهة لحالة أمه، خاصة الحالات التي لا تحظى برعاية، وكان تؤلمه المعاملة السيئة للذين يعانون من أمراض عقلية داخل المراكز المفترض أن تقدم لهم الخدمة ومن هناك تبلورت أفكاره وعزم أن تكون حياته مكرسة لخدمة الفقراء والمساكين والضعفاء.
انتقل إيدهي برفقة أسرته إلى باكستان عام 1947 وعمل بائعا متجولا في مدينة كراتشي، وبعد عامين قرر أن ينشئ مركزا صحيا صغيرا يدشن به مشواره في العمل الخيري التطوعي، وسرعان ما طور الفكرة إلى وكالة متخصصة في العمل الخيري حملت اسمه “إدهي تراست” (Edhi Trust). .
أطلق نداء لجمع التبرعات ومن المبلغ الذي جمعه أنشأ مركزا للولادة به سيارة إسعاف كان يقودها بنفسه ويجوب بها احياء كراتشي لتقديم الخدمة لمحتاجيها كما أنشأ قسما لرعاية الأيتام وشملهم بالرعاية ما شكل نافذة مهمة لسكان كراتشي ومحيطها في تقديم خدمة لأكثر من عشرة ملايين شخص، وكلما حصل على تبرع جديد تتوسع خدماته الصحية حتى أطلق عليه لقب “ملاك الرحمة”.
توسع إيدهي في تقديم خدماته التي شملت ضحايا الكوارث وتزويج الفقراء إلى جانب تقديم دورات تدريبية لمساعدة الناس على تنمية قدراتهم لمجابهة مصاعب الحياة.. وانفتح بعد ذلك على مدن باكستانية بعد أن طبقت شهرته أرجاء البلاد وتدافع الناس للتبرع له بعد أن وثقوا في إخلاص نيته لتقديم خدمات ضرورية لأبناء شعبه، وبلغ عدد المراكز التي أنشأها في مدن باكستانية مختلفة 330 مركزا برقم قياسي في سيارات الاسعاف التي بلغت 1500 سيارة إضافة إلى إسعاف جوي وبحري.
لم يتوقف في حدود بلاده بل امتد نشاطه إلى الخارج فقد قدمت مؤسسته المساعدة في بنغلاديش وأفغانستان وإيران وسريلانكا وكرواتيا وإندونيسيا والولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا.
الجوائز والأوسمة
حصد عبد الستار إيدهي ومؤسسته جوائز وأوسمة كثيرة، من بينها جائزة رامون ماغسايساي لدعم الخدمة العامة في مانيلا بالفلبين عام 1986، إلى جانب جائزة بالزان الدولية عام 2000 في روما بإيطاليا وذلك لدعمه العمل الاجتماعي الخيري التطوعي.
كما دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية عام 2000 لضمه أكبر أسطول سيارات إسعاف تطوعية في العالم ، وحصل أيضا على جائزة السلام في مومباي الهندية عام 2004، وجائزة أخرى مماثلة للسلام في حيدر آباد عام 2005.
وفي عام 2009 حصل على جائزة لجنة مادنجيت التابعة لليونسكو لدعمه السلام، كما حصل عام 2007 على جائزة غاندي للسلام عام 2007 في دلهي الهندية. ورشح مرارا لنيل جائزة نوبل للسلام، وكانت لسمعته أصداء كبيرة في باكستان.
الوفاة
توفي عبد الستار إيدهي في التاسع من يوليو/تموز 2016 عن عمر يناهز ال92 عامًا نتيجة مرض الفشل الكلوي ورفض العلاج خارج البلاد وأصر على العلاج في مستشفى حكومي وبرحيله فقدت الإنسانية وأحدا من الكبار الذين خدموها بإخلاص ومنحوا الحب للضعفاء والفقراء والمحتاجين.
المقال منشور في العدد 26 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة