رغم أن الإعلام يلعب دورا محوريا في عكس القضايا الإنسانية وهموم الناس، إلا أن الملاحظ أن معظم التقارير الإخبارية أُفرِغت من روحها وعمقها الإنساني، حتى صارت مجرّد لوحة لأرقام المصابين وحجم الخسائرفي مناطق الأزمات والكوارث، مما خلق نوعاً من التطبيع بين المتلقي وبين صور الموت والخراب. فأصبح يتلقى هذه الأخبار بدرجات تأثّر أو تفاعل محدود. ومن هنا برزت الأهمية الكبرى لإعداد قصص صحفية إنسانية بزوايا تتناول الأزمات الإنسانية ببعدها المأساوي بصورة أقرب إلى وجدان المتلقي.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
وقد أثبتت الدراسات أنه كلما اقتربت تغطية الأخبار والأحداث من الإنسان، وروت قصصه وتجاربه، كان تأثيرها أكبر وأكثر فاعلية عند المتلقي. لذلك من الضروري للوسائل الإعلامية أن تقوم ب “أنسنة الأخبار”، وذلك لقدرتها الكبيرة على نقل الصورة الحقيقية للأحداث، وإسماع صوت المتضررين منها. وهي بذلك تخترق الحدود الجغرافية وتستمر مع الزمن، شاهدةً على الأحداث.
ولمناقشة هذا الموضوع نظمت “غراس” ندوة بعنوان “القصص الإنسانية ودورها في لفت الإنتباه للقضايا الإنسانية” استضافت فيها كلا من:
- السيد / عبد الرحمن المطوع نائب المدير العام للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
- السيد/ عبد القادر عياض مذيع بشبكة الجزيرة الفضائية.
- الدكتور/ أشرف جلال استاذ الإعلام في قسم الإذاعة والتلفزيون بإدارة الإعلام جامعة قطر.
مدى أهمية القصص الإنسانية
تطرق المشاركون في الورشة إلى أهمية القصص الإنسانية، ودواعي استخدامها من منظور الإعلام الإنساني، وأهم المكونات التي تجعل القصص الإنسانية مؤثرة وكذلك الأمور الفنية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند كتابة القصة الإنسانية. بالإضافة إلى كيفية إسهام القصص الإنسانية في التأثير على المتبرعين وحشد الموارد والترويج للحملات التي تخدم الفئات المستهدفة.
واستهل السيد عبد الرحمن المطوع الندوة بالحديث عن أهمية القصص الإنسانية قائلا : “تمثِّل “القصَّة” إحدى الأدوات الفنية الأصيلة المستخدمة في إثارة العاطفة، وتوصيل الفكرة، وغرس القيمة. وعلى الرغم من حداثة التأصيل للقصة، إلا أنها قديمة قدم البشر أنفسهم. فهي مغروسة في عمق التاريخ البشري منذ بداياته، ونابضة في نواة الوعي الإنساني منذ بواكيره. ولعلَّ من أهم أسباب ارتباط الإنسان بالقصة والحكاية هو الطبيعة البشرية الفطرية، التي تفضِّل التخييل بما فيه من ثراء يثير الانتباه، واستقصاء يُشعل الفضول، على نقل الواقع الجامد الحرفي المعتاد على حالته، وتميل للإدراك من خلال تجارب الآخرين والتعلُّم من نجاحاتهم وإخفاقاتهم.
وعلاوة على ماسبق ذكره عن أهمية القصص الإنسانية، ركز الدكتور أشرف جلال على جانب المعاناة والألم والنجاح الذي تكشفه القصص الإنسانية رغم السلبيات والتحديات. بالإضافة إلى ضرورة تسليط الضوء على النجاحات والجوانب المضيئة. وقال إن القصص الانسانية تنقل نبض الشعوب والجماهير وتعزز الثقة بالنفس وتعزز فرص النجاح ناهيك عن القيم الإيجابية الكثيرة التي تتصمنها.
وأضاف أن القصص الإنسانية تسهم في إيجاد السبل لكيفية استثمار العمل الإنساني وكتابة دروس مستفادة وتجارب مُثلى يمكن أن تكون مفيدة لغيرنا من الأفراد في تجارب العمل الإنساني بشكل خاص والتنموي بشكل عام.
وبالرغم من أن للخبر تداعيات غالبا ما تنتهي بأوضاع إنسانية صعبة، فإن وسائل الإعلام تبحث ما وراء الحدث ومعرفة الأسباب التي أدت إلى إليه وتسليط الضوء عليها. هذا ما لخّصه الإعلامي عبد القادر عياض. حيث قال إن وسائل الإعلام عندما تتناول خبر نزوح نتيجة نزاعات أو جفاف أو فيضانات، فإنها تقوم بمتابعة الحدث بوصفه خبرا عن عدد الضحايا وظروفهم المعيشية ثم تتطور القصة الخبرية للذهاب إلى ما وراء الحدث. وأن عكس هذه القصة يسهم بقدر كبير في تبصير المشاهد بزوايا القصة، ومن ثم يبدأ التفاعل معها. فالبعد الإنساني أصيل في طبيعة العمل الإعلامي على حد تعبير الإعلامي في قناة الجزيرة الإخبارية.
دواعي الاستخدام
ونبه المشاركون في الندوة إلى أهمية استخدام القصص في رفع الوعي المجتمعي من حيث أهمية العمل الإنساني. وفي هذا الصدد أوضح الدكتور أشرف جلال أن استخدام القصص يسهم في لفت نظر المجتمع إلى وجود قصص إنسانية تستحق تسليط الضوء عليها. وأن القصص الإنسانية تعطي زخما للعمل الإنساني وإطاراً مجتمعياً لكيفية تأطير هذا العمل عبر قصص نجاحات وقيم اجتماعية ونفسية وسلوكية تربوية وخيرية ودينية قيمة جدا. كما أن القصص الإنسانية تزيد من مصداقية العمل الإنساني وتعزز من الثقة في المجتمعات والجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية غير الهادفة للربح.
ويرى السيد عبد القادر عياض أن وسائل الإعلام ليست مجرد وسائل لنقل الخبر ولكن هي أيضا وسائل مؤثرة. فاستخدام القصص يعزز رسالة القصة الخبرية. فالقصة لها دور كبير في حث الناس على سرعة مساعدة المتضررين وتلبية احتياجاتهم، وإحداث مزيد من الضغط على الجهات المقصرة أو المذنبة الى غير ذلك من الأهداف.
فيما تناول السيد عبد الرحمن المطاوع الآثار المهمة للقصة والحكاية بالنسبة للمؤسسة الخيرية وضرورة تعميق الإستفادة منها في السياق الإنساني. ومن أبرزها تحسين الصورة الذهنية للمؤسسة وتعزيزها لدى أصحاب العلاقة بشكل عام، وتحفيز موظفي المؤسسة وترسيخ الشعور بالانتماء لديهم، وتوثيق التجارب الناجحة وتعزيز آثارها، وتحقيق الإيمان برسالة المؤسسة لدى المتبرعين وزيادة الإقبال عليها وتنمية مواردها.
مكونات وسمات مهمة في القصص الإنسانية
وعن أهم المكونات التي تجعل القصص الإنسانية مؤثرة يتحدث السيد عبد القادر عياض عن الصورة والمضمون في الصحافة التلفزيونية ويعتقد أن أهم المكونات في القصة الإنسانية بشكل عام هو الصدق، الذي ينجم عن معايشة القصة. فاذا كان نقل الخبر يستوجب على الصحفي أن يترك مسافة بينه وبين الحدث حتى يكون أمينا في نقله، فإن القصة الإنسانية تتيح للصحفي أن يكون جزءا من القصة في انحيازه للإنسان.
وكذلك يجب أن تكون لغة القصة الإنسانية بسيطة ومفهومة ومباشرة وخالية من الإبهام، حتى تصل الرسالة إلى أكبر قدر من المتلقين. ناهيك عن مكوناتها مثل اختيار أكثر الصور والمقتطفات الصوتية قوة وتأثيرا.
ومن جانبه يقول السيد عبد الرحمن المطوع إن القصة أو الحكاية تقوم بشكل عام على أركان مهمة منها: “التجسيد”، و”التخييل”، و”التكثيف”. فهي تقوم بتقريب الواقع -وليس نقله بحذافيره- إلى إنسان لم يشاهده ليدخل المتلقي في عالم القصة المصاغ كصورة من الواقع الحقيقي. فالقصة الإنسانية إذًا ليست محض خيال روائي، واهتمامها الأول نقل الوضع الإنساني للمتلقي البعيد.
ومن السمات المهمة التي يجب أن تتوفر في أي حكاية أو قصة: توفُّر عناصرها الضرورية؛ من: الشخصيات، والمكان، والزمان، والسرد أو الوصف، والحوار، والحبكة، كما يجب أن تتمتع الصياغة بالبساطة والقرب من طبيعة المتلقي، والبُعد عن الغلو والاستغراق في استعمال الصور الفنية والأساليب البلاغية، أو التقعر والمبالغة في استخدام اللغة الفصيحة.
ويضيف الدكتور أشرف جلال أن من بين مكونات القصة الانسانية الأشخاص المشاركين في العمل المعنيين بالعمل الإنساني من هيئات ومنظمات حكومية وقطاع خاص ومجتمع مدني، ومعلمين ومرشدين وغيرهم. بالإضافة إلى دواعي ومنهجية العمل في القصة الإنسانية حتى تبرز كواحدة من الدروس المستفادة أو قصص النجاح المؤطرة بالقيم الإنسانية والدراسات التي يمكن الاعتماد عليها. علاوة على أن القصة الإنسانية يجب أن تتضمن واقعية الطرح وسردية المعنى بعيدا عن الألفاظ الضخمة والمعقدة.
حجم التأثير
وقد أجمع المشاركون في الندوة على أن للقصص الإنسانية إسهام كبير في مدى التأثير الذي تُحدثه على المتبرعين والترويج للحملات التي تخدم الفئات المستهدفة.
حيث يرى الأستاذ عبد القادر عياض أن من بين الأمور التي تزيد في حجم التأثير على المتبرعين والترويج للحملات اختيار المنصة الإعلامية الواسعة الانتشار ذات المصداقية لدى مشاهديها. ثم التخطيط للحملة لمدة زمنية معينة تتنوع فيها المادة الخبرية المقدمة للمشاهد عبر النشرات والبرامج والوثائقيات والتغطيات الحية المكثفة للحدث.
ويؤكد الدكتور أشرف جلال على أن القصة الإنسانية تلعب دورا كبيرا في حشد الجهد المجتمعي لجمع التبرعات العينية والنقدية، بالإضافة إلى استقطاب عدد كبير من المتبرعين، من خلال عرض قصص إنسانية لأشخاص استطاعوا أن يحققوا قدراً من النجاح رغم ظروفهم الصعبة من خلال مساعدات بسيطة. والهدف من ذلك هم لفت الانتباه لأهمية التبرع وأثره على المستفيدين. كما تساهم في وضع أولويات للتبرع وأوجه الإنفاق في مجال العمل الخيري.
بدوره يعتقد السيد عبد الرحمن المطاوع أن القصة الإنسانية لفتت انتباه صانعي المحتوى باعتبارها أداة أكثر تأثيرا في وعي المتلقي من الخطاب المباشر. بل وأكثر إقناعاً وجذباً كذلك للموارد الخيرية. الأمر الذي جعل من القصة وسيلة يومية مستخدمة في المحتوى الإنساني، تقرؤها يوميًا على حسابات التواصل الاجتماعي للمؤسسات الخيرية. ليس فقط لتأصيل قصص النجاح والتميز، بل أيضا لمخاطبة العقل والعاطفة، بما ينعكس إيجاباً في الإقبال على أنشطة المؤسسة والإسهام في تحقيق رسالتها.
المقال منشور في العدد 26 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة