من حكمة الله سبحانه أن جعل أمكنة أفضل من غيرها من الأمكنة وأزمنة أفضل من غيرها من الأزمنة. فكان من الأزمنة شهر رمضان هو أفضل الشهور. اختصه الله بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة. ففيه أنزل الله القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185). وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183). وحري بالمسلم الفطن أن يعرف له حق هذا الشهر ويقدره حق قدره، وأن يغتنم أيامه ولياليه، عسى أن يفوز برضوان الله، فيغفر الله له ذنبه وييسر لك أمره، ويكتب له السعادة في الدنيا والآخرة. دعونا نتعرف عبر هذا المقال على 15 من فضائل شهر رمضان الفضيل.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
من خصائص وفضائل شهر الصوم
لرمضان خصائص وفضائل كثيرة، منها أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وفيه نزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. كما أنه الشهر الذي فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار. وهو شهر تفطير الصائمين، فمن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. إلى غير ذلك مما سنتناوله ببعض التفصيل.
كالجسد الواحد
حملة الشتاء .. لأجل فلسطين
1* فَضْل إدراك رمضان
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ (قبيلة كانتْ تَسكُن قُربَ المدينة) قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إِسْلامُهما جَمِيعا، فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِد، ثُمَّ مَكَثَ الآخَر بعدَه سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّي. قال طلحة: فَرأيْتُ في المنام بَيْنا أنا عند باب الجنة إذا أنا بِهما، فَخَرَج خَارِجٌ مِنَ الجنة فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِر مِنْهما، ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِد، ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال: ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لك بَعْد. فَأصبح طلحة يُحَدِّث به الناس فَعَجِبُوا لِذلك، فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وحَدَّثُوه الحَدِيثَ فقال: مِنْ أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُون؟ فَقَالوا يا رسول الله: هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْن اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِد، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنة قبلَه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَليسَ قد مَكَث هذا بعدَهُ سَنَة؟ قالوا: بلى، قال: وأَدْرَك رَمَضَان فَصام وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماء والأرض) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وفي الحديث: بَيانُ فَضْل إدراك رمضان، وفَضْل طُول العُمُرِ مَع حُسْنِ العمل.
2* تفتح فيه الجنة، وتغلق فيه النار
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومَردةُ الجِنّ، وغلِّقت أبَوابُ النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
3* شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب
من فضائل رمضان أنه شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) رواه الترمذي.
وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين)، أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره.
4* شهر الصبر
وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10).
5* شهر الدعاء
وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه أحمد.
6* عمرة في رمضان تعدل حجّة
8 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُمْرَةً في رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّة – أوْ حَجَّةً مَعِي ـ) رواه البخاري. قال القاضي عياض: “معنى ذلك في الأجر والثواب، لا في الإجزاء عن الفريضة بغير خلاف”.
7* الإكثار من الإنفاق والبذل في رمضان
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاس، وكانَ أجْوَد ما يَكون في رَمَضان حِينَ يَلْقاه جِبْرِيل، وكانَ يَلْقاه في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضان فيُدارِسُه القُرْآن، فَلَرَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أجْوَد بالخَيْرِ مِنَ الرِّيح المُرْسَلَة) رواه البخاري. قال الطيبي: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح بالموجود، لكونه مطبوعا على الجود، مستغنيا عن الفانيات بالباقيات الصالحات.. وكان يظهر منه أكثر آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره لمعانٍ، أحدها: أنه موسم الخيرات، وثانيها: أن الله تعالي يتفضل على عباده في ذلك الشهر ما لا يتفضل عليهم في غيره، وثالثها: أنه كان يصادف البشرى من الله بملاقاة أمين الوحي.. قوله: (وكان أجود من الريح المرسلة) قيل: يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله تعالي، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها”.
8* بركة السحور وتعجيل الإفطار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر). وقال: (تسحَّروا فإن في السَّحور بركة) رواه البخاري. والبَركةُ في السُّحورِ تَحصُلُ بجِهاتٍ مُتعدِّدة، وهي: اتِّباعُ السُّنة، ومُخالَفة أهْلِ الكتاب لأنَّهم لا يَتسحَّرون، والتَّقوِّي على العبادة.
9* فيه ليلة خير من ألف شهر
وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3)، روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرَها إلا محروم).
فضائل الصوم شهر رمضان
روى النسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! مرني بأمر ينفعني الله به، قال: (عليك بالصوم، فإنه لا مثل له)، فبين عليه الصلاة والسلام أنه لا شيء مثل الصوم يقرب العبد من ربه جل وعلا. فالصيام عبادة من أجلِّ العبادات، وقربة من أعظم القربات، وهو دأب الصالحين وشعار المتقين، يزكي النفس ويهذب الخلق، وهو مدرسة التقوى ودار الهدى، من دخله بنية صادقة واتباع صحيح خرج منه بشهادة الاستقامة، وكان من الناجين في الدنيا والآخرة، وعليه فلا غرو أن ترد في فضله نصوص كثيرة تبين آثاره وعظيم أجره، وما أعده الله لأهله، وتحث المسلم على الاستكثار منه، وتهون عليه ما قد يجده من عناء ومشقة في أدائه.
1- يكبح جماح النفس ويهذبها
ومما ورد في الصوم أيضا أنه: يكسر ثوران الشهوة ويهذبها، لذلك أرشد عليه الصلاة والسلام الشباب الذين لا يستطيعون الزواج، أن يستعينوا بالصوم ليخفف من شهواتهم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه.
2- الصوم سبيل من سبل الجنة وباب من أبوابها
أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن في الجنة باباً خاصاً بالصائمين لا يدخل منه غيرهم، ففي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة باباً يقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد).
3- يشفع للصائم يوم القيامة
وورد أيضاً في فضائل صوم شهر رمضان أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة. فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشَفَّعان).
4- ثواب الصيام مطلق غير مقيد
إذ يعطى الصائم أجره بغير حساب، ففي “الصحيحين” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به ) وفي رواية عند مسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)، فاختص الله الصوم لنفسه من بين سائر الأعمال؛ لشرفه عنده؛ ولأنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله.
5- سبب السعادة في الدارين
ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، فعند فطره، يفرح بما أنعم الله عليه من القيام بهذه العبادة وإتمامها، وبما أباح الله له من الطعام والشراب الذي كان ممنوعاً منه حال صيامه، وعند لقاء الله يفرح حين يجد جزاء صومه كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه.
6- رائحة أطيب من ريح المسك
ومن الفضائل أن خلوف فم الصائم -وهي الرائحة المنبعثة من فمه نتيجة خلو المعدة من الطعام- أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، فهذه الرائحة وإن كانت مكروهة عند الخلق، إلا أنها محبوبة عند الله جل وعلا؛ لأنها من آثار العبادة والطاعة، وهي دليل على عظم شأن الصيام عند الله.