سألت صديقي بعد أن رأيته مبتسماً متهللاً عن سرّ سعادته؟ فقال: لقد دخلت العشر. ثم عجبت من حال رفيقي كيف هو سعيد ومسرور بها وكأنها كنز هبط عليه من السماء أو خرج له من باطن الأرض، لكن لما تأملت بعد ذلك حالي وحال كثير من الناس مثلي ونصوص الوحي وما ورد في فضل هذه العشر، فعلِمتُ أن حالنا هو العجيب وليس حال صديقي،
وهذا المقال كلمات أرجو من الله أن يكون سبباً ـ أخي القارىء ـ في اشتعال همتك وتوقد طاقتك وماءً بارداً يُنعشك ، أو ترياقاً لسلامتك وصحتك، وما مقصودي إلا أن تجني الأجور والحسنات في هذه الأيام الفاضلات، فإليك الآيات تعقبها الأحاديث المباركات، وبعدها تكحيل العين بكلام العلماء، واختم لك بوصايا كما هو هدي الأنبياء.
اغتنام الفرص في عشر ذي الحجة من الكتاب والسنة
قال تعالى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآيتان 27 -28 ) .
حيث أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله : ” عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام العشر ” ( ابن كثير ، 1413هـ ، ج 3 ، ص 239 ) .
قال تعالى : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ( سورة الفجر : الآيتان 1 – 2 ) .
وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية قوله : ” وقوله : ” وَلَيَالٍ عَشْرٍ ” ، هي ليالي عشر ذي الحجة ، لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه ” ( الطبري ، 1415هـ ، ج 7 ، ص 514 ) .
وحسبك من القرآن هاتين الآيتين ويوجد غيرها، ولكن لمقام الاختصار ، أما من السُنة فإليك هذه الدرة، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ” ( أبو داود ، الحديث رقم 2438 ، ص 370 ).
نهج العلماء والصالحين في اغتنام العشر
أما عناية العلماء بها، فقد روى محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن ابي عثمان النهدى قال كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من المحرم، والعشر الاول من ذى الحجه، والعشر الأواخر من رمضان، وكان سعيد بن جبير كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتي ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر، ويحثّ خدمه على العبادة بالصيام والقيام.
وأختم لك بالوصايا لعل الله يعينك على العمل بها، فعليك بذكر الله من التسبيح والتحميد والتكبير، وعليك بالصيام، وأعمال الخير عموما ومساعدة المحتاجين وما أكثرهم، وعليك بالحجّ والهدي وإن لم تستطع فلا تعجز عن الأضحية وصيام يوم عرفة، وعليك بالتوبة والإنابة إلى الله، وعليك بكثرة الدعاء فإنه نعم الزاد.