تحلّ علينا العشر الأولى من شهر ذي الحجة، التي خصّها الله لتكون مواسم للخيرات وأوقاتاً للقربات. يغتنمها المسلمون لزيادة الأجور والطاعات. وهي كذلك موسم نحر الأضاحي اقتداء بسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام. فهي فرصة عظيمة لنذكر أنفسنا وإياكم عبر مقال للإجابة على الأسئلة الفقهي المرتبطة بأحكام الأضحية والمضحي، ومسائل توزيع وتقسيم لحم الأضحية.
ستجد عبر هذا المقال أجوبة فقهية للأسئلة التالية:
- ما هى الأُضْحِيَّة؟
- ما الدليل على أن الأُضْحِيَّة مشروعة؟
- ما حكم الأُضْحِيَّة؟
- هل الأفضل الأضحية أم الصدقة؟
- هل يجب على المضحى أن ينوى الأُضْحِيَّة، أم يكفى مجرد القيام بالذبح فى وقته؟
- هل يجوز ذبح الهدى فى أثناء الحج بنيتين: نية الهدى ونية الأُضْحِيَّة؟
- هل يجب أن يذبح المضحى ذبيحته بنفسه؟
- ما حكم النيابة عن الأُضْحِيَّة؟
- هل يجوز إنابة غير المسلم فى ذبح الأُضْحِيَّة؟
- ما حكم صك (كوبون) الأُضْحِيَّة؟
- هل يجوز للمضحى أن يدفع ثمن الأُضْحِيَّة من مال الزكاة؟
- هل يحرم على المضحى الأخذ من شعره وأظافره؟
- من أراد الأضحية هل يحرم عليه جماع زوجته فى العشر من ذى الحجة وهو ليس بحاج؟
- هل هناك دعاء يقوله المضحى عند ذبح الأُضْحِيَّة؟
- ما حكم الأضحية عن الميت؟
- هل تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وأهل بيته أم عن صاحبها فقط؟
- هل يجوز الاشتراك فى الأُضْحِيَّة؟
- ما الشروط التى يجب توافرها فى الذابح؟
- هل يجوز إعطاء الجزار جلد الأُضْحِيَّة؟ وهل يجوز بيع شيء من الأضحية؟
- ما هو أول وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
- ما آخر وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
- ما هى شروط الأُضْحِيَّة؟
- هل يجوز أن تكون الأُضْحِيَّة من غير الأنعام؟
- هل يجوز تخلف شرط السن فى الأُضْحِيَّة؟
- كيف توزع الأُضْحِيَّة؟ وهل الأحشاء توزع وكذا الرأس؟
- ما حكم إعطاء غير المسلم من الأُضْحِيَّة؟
- هل يجوز نقل الأضحية خارج بلد المضحي؟
ما هى الأُضْحِيَّة؟
اسمٌ لما يُذكى (يذبح) تقربًا إلى الله تعالى فى أيام النحر.
ما الدليل على أن الأُضْحِيَّة مشروعة؟
الأُضْحِيَّة مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، والإجماع: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، ((ضَحَّى النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)) متفق عليه.
ما حكم الأُضْحِيَّة؟
اختلف الفقهاء فى حكم الأُضْحِيَّة على مذهبين
المذهب الأول: الأُضْحِيَّةُ سنةٌ مؤكدةٌ فى حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند مالك، والمذهب الثانى أنها واجبة، وذهب إلى ذلك أبو حنيفة.
هل الأفضل الأضحية أم الصدقة؟
الأضحية أفضل من الصدقة؛ لأنها واجبة أو سنة مؤكدة، وشعيرة من شعائر الإسلام.
هل يجب على المضحى أن ينوى الأُضْحِيَّة، أم يكفى مجرد القيام بالذبح فى وقته؟
يشترط نية الأضحية، لأن الذبح قد يكون لقصد الحصول على اللحم فحسب، وقد يكون تقربًا لله تعالى، والفعل لا يقع قربة إلا بالنية
هل يجوز ذبح الهدى فى أثناء الحج بنيتين: نية الهدى ونية الأُضْحِيَّة؟
لا يجوز ذبح الهدى فى أثناء الحج بنية الأُضْحِيَّة مع الهدي؛ لأن سبب مشروعية كل منهما مختلف ولا يقبل التداخل، فالأُضْحِيَّة مشروعة لشكر الله تعالى على سبيل الندب، أما ما يذبح فى الحج فقد يكون واجبا كهدى التمتع، أو بسبب ترك الإحرام بالحج من الميقات؛ وكهدى القِران، وهو للجمع بين الحج والعمرة فى سَفرة واحدة، وهو واجب أيضًا، وكالذبح لترك واجب من واجبات الحج، أو كفارة عن فعل محظور من ممنوعات الحج، وكلاهما واجب
هل يجب أن يذبح المضحى ذبيحته بنفسه؟
يستحب أن يذبحها بنفسه إن قدر على الذبح؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة أفضل من تفويض إنسان آخر فيها، فإن لم يحسن الذبح فالأولى توليته مسلما يحسنه، ويستحب فى هذه الحالة أن يشهد الأُضْحِيَّة.
ما حكم النيابة عن الأُضْحِيَّة؟
اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة فى ذبح الأُضْحِيَّة
هل يجوز إنابة غير المسلم فى ذبح الأُضْحِيَّة؟
ذهب الجمهور إلى صحة الأضحية مع الكراهة إذا كان النائب كتابيا من أهل الكتاب؛ لأنه من أهل الزكاة.
ما حكم صك (كوبون) الأُضْحِيَّة؟
الصك نوع من أنواع الوكالة، وهى جائزة فى النيابة فى ذبح الأُضْحِيَّة وتوزيعها، ويجب على الوكيل أن يراعى الشروط الشرعية فى الأُضْحِيَّة: من سِنِّها وسلامتها من العيوب، وذبحها فى وقت الذبح، وتوزيعها على من يستحقها
.
هل يجوز للمضحى أن يدفع ثمن الأُضْحِيَّة من مال الزكاة؟
لا يجوز ذلك؛ فالزكاة لها مصارفها المحددة وتعطى بنية الزكاة، أما الأُضْحِيَّة فتعطى بنية الأُضْحِيَّة، والأُضْحِيَّة يأكل منها الغنى والفقير والمستحق للزكاة وغير المستحق لها. بخلاف الزكاة فلا ينبغى دفعها إلا لمن يستحقها من مصارفها.
هل يحرم على المضحى الأخذ من شعره وأظافره؟
عَنْ أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا رأيتم هِلالَ ذِى الْحِجَّةِ وأراد أحدكم أَنْ يُضَحِّى فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعرِهِ وأظفاره)) وقال جمهور العلماء على أن الأمر بالإمساك عن الشعر والأظافر فى هذا الحديث محمول على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب
من أراد الأضحية هل يحرم عليه جماع زوجته فى العشر من ذى الحجة وهو ليس بحاج؟
يجوز لمن أراد أن يضحى أن يجامع زوجته فى العشر من ذى الحجة ما لم يكن هناك مانع شرعى كالحيض والنفاس.
هل هناك دعاء يقوله المضحى عند ذبح الأُضْحِيَّة؟
يستحب أن يدعو فيقول : اللهم منك وإليك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، ويستحب بعد التسمية التكبير ثلاثا والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء بالقبول.
ما حكم الأضحية عن الميت؟
إذا أوصى الميت بالأضحية عنه، أو وقف وقفا لذلك جاز بالاتفاق، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك، وأما إذا لم يوص بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحى عنه من مال نفسه، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الأضحية عنه، وقال الشافعية: إن الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف.
هل تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وأهل بيته أم عن صاحبها فقط؟
تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وعن أهل بيته الذين ينفق عليهم، فالشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة عن جميعهم،
هل يجوز الاشتراك فى الأُضْحِيَّة؟
لا يجوز الاشتراك فى الشاة والماعز؛ لأن الواحدة منها لا تجزئ إلا عن أُضْحِيَّة واحدة، ويجوز الاشتراك فى الأُضْحِيَّة إذا كانت الذبيحة من الإبل أو البقر، لأن سبع الواحد منها يجزئ عن أُضْحِيَّة، فيمكن لسبعة أفراد مختلفين أن يتشاركوا فى بدنة أو بقرة
ما الشروط التى يجب توافرها فى الذابح؟
يشترط فى الذابح أن يكون:
- عاقلا.
- مسلما أو كتابيا.
- ألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
هل يجوز إعطاء الجزار جلد الأُضْحِيَّة؟ وهل يجوز بيع شيء من الأضحية؟
لا يجوز أن يعطى الجزار شيئا من الأضحية – كجلدها- مقابل أجره، كما لا يجوز بيع شىء من الأضحية.
ما هو أول وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
يدخل وقت ذبح الأُضْحِيَّة بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذى الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضى زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق فى ذلك بين أهل الحضر والبوادي،.
ما آخر وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
ينتهى وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو رابع أيام العيد، إذ إن أيام النحر أربعة: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة الآتية بعده.
ما هى شروط الأُضْحِيَّة؟
أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ومن الغنم: الضأن والمعز،وأن تبلغ السن المحددة شرعًا، بأن تكون جذعة للضأن، وأن تكون ثنية فى غيره، ويتسامح فى ذلك لذوات اللحم الوفير،وأن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهى العور البيِّن، والمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال المزيل للمخ، وأن تكون ملكًا للمضحى أو مأذونًا له فى التضحية بها، وأن يكون الذبح فى الوقت المحدد شرعا، ويبدأ من شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذى الحجة)، وينتهى بغروب شمس آخر أيام التشريق، وبذلك تكون أيام الذبح أربعة أيام.
هل يجوز أن تكون الأُضْحِيَّة من غير الأنعام؟
اتفق الفقهاء على أن الأُضْحِيَّة لا تكون من غير الأنعام، وهى الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو معزا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث
فمن ضحَّى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به.
هل يجوز تخلف شرط السن فى الأُضْحِيَّة؟
اشترطت الشريعة للأُضْحِيَّة سنًّا معينة؛ لمَظِنَّةِ أن تكون ناضجة كثيرة اللحم؛ رعاية لمصلحة الفقراء والمساكين، فإذا كانت المستوفية للسن المحدد فى نصوص الشرع الشريف هزيلة قليلة اللحم، ووجد من الحيوانات التى لم تستوفِ السن المحددة شرعًا ما هو كثير اللحم كما يحدث فى هذا الزمان؛ نتيجة للقيام بعلف الحيوان الصغير بمركزات تزيد من لحمه؛ بحيث إذا وصل إلى السن المحدد هَزُلَ وأخذ فى التناقص، خاصةً مع الأساليب العلمية الحديثة لتربية العجول والتى تعتبر وزن النضج هو 350 كجم أو نحوها للعجل، عند سنّ 14-16 شهرًا؛ وهى سن الاستفادة الفضلى من لحمه، بل لا يُبقَى عليه عادةً بعدها إلا لإرادة اللقاح والتناسل لا اللحم، وهو فى هذا السن يسمى جذعًا، فلا مانع حينئذ من الأضحية به؛ فإن العلة هى وفرة اللحم وقد تحققت فى الحيوان الذى لم يبلغ السن أكثر من تحققها فى الذى بلغها.
كيف توزع الأُضْحِيَّة؟ وهل الأحشاء توزع وكذا الرأس؟
يستحب تقسيم الأُضْحِيَّة إلى ثلاثة أثلاث، يأكل ثلثها، ويهدى ثلثها، ويتصدق بثلثها، فلو أكل أكثر من الثلث فلا حرج عليه، وإن تصدق بأكثر من الثلث فلا حرج عليه، لأن تقسيمها على الاستحباب لا على الوجوب.
ما حكم إعطاء غير المسلم من الأُضْحِيَّة؟
يجوز ذلك، لأن السنة للمضحى أن يأكل ويتصدق ويهدى منها، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً: ثلثاً للادخار والأكل، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للإهداء.
هل يجوز نقل الأضحية خارج بلد المضحي؟
سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله ما نصه :
“… أشير إلى فتوى فضيلتكم (بجواز أخذ الهيئة أثمان الأضاحي من أصحابها وشراء أضاحٍ بها لذبحها وقت الذبح وتوزيعها على الفقراء المسلمين في بلاد أكثر فقرًا وأشد احتياجًا)، ولما كانت بعض الجمعيات السعودية تعمل منذ سنوات في هذا المجال استنادًا على هذه الفتوى ، بينما تواجه الهيئة حرجًا مع فقراء المسلمين في الخارج لتوقفها عن القيام بتقديم الأضاحي لهم في بلادهم ، لذا نأمل من فضيلتكم التكرم بإفادتي بنص الرأي الشرعي في هذا الشأن.
فأجاب : وصلنا خطابكم وفيه طلبكم الإفادة عن حكم إرسال قيمة الأضاحي لتذبح في الخارج وتقسم على فقراء المسلمين ، وحيث اطلعتم على فتوى لنا بجواز أخذ الهيئة أثمان الأضاحي من أصحابها وشراء أضاح بها لذبحها وقت الذبح وتوزيعها على الفقراء من المسلمين في بلادٍ أكثر فقرًا وأشد احتياجًا؛
فإننا قلنا بذلك نظرًا إلى أن الحكمة في ذبح الأضاحي إحياء السُنَّة والتوسعة على المسلمين في أيام الأعياد التي هي أيام فرحٍ واغتباط ، وحيث إن هذه المملكة يوجد بها أهل ثروة وكثرة خير، وأنهم قد أكثروا من الوصايا بذبح الأضاحي بحيث يذبح في المنزل الواحد العدد الكثير من الوصايا والقرابين ، ويقل وجود الفقراء الذين يحتاجون لأكلها في تلك الأيام ، فقد رأينا أن من الأنسب إرسال قيمتها إلى البلاد الفقيرة ليشترى بها ذبائح وتذبح في أيام العيد بأسماء أصحابها، وتقسَّم على فقراء المسلمين من أهل السُنَّة والجماعة ؛ فهو خيرٌ من أن تبقى مصبَّرةً يأكلها أهلها عدَّة أشهر، ومع ذلك إذا وجد فقراء في الداخل فإنهم أولى بأن تصرف لهم لسدِّ حاجتهم ، ولتحقيق أهليتهم ، فهذا ما نراه ، ولكم طلب الفتوى من غيرنا ، والله يتولانا جميعًا وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ” انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت.
وسئل رحمه الله : ” هل يجوز إرسال لحوم الأضاحي إلى خارج المملكة إلى الناس المحتاجين والفقراء ، مثل البوسنة والهرسك والسودان ودول أفريقيا وجميع الدول الإسلامية ، للحاجة الضرورية إليها هناك؟ أفيدونا حفظكم الله.
فأجاب : يفضل ذبحها في البلد الذي أنت فيه ، لتحضر الذبح وتسمي عليها وتأكل وتهدي وتتصدق أثلاثًا، لكن إن كان البلد غنيًا ولا يوجد فيه فقراء ، وإذا أعطيت بعضهم خزنه أيامًا ولديهم اللحوم متوفرة طوال السنة ، جاز إرسالها لمن يحتاجها من البلاد الفقيرة الذين يعوزهم اللحم ، ولا يوجد عندهم إلا نادرًا، ولابد من تحقق ذبحه في أيام الذبح، وتحقق ذبح السن المجزئة السالمة من العيوب ، وتحقق أمانة من يتولى ذلك ، والله أعلم ” انتهى من موقع الشيخ رحمه الله.
وجاء في “موقع المسلم” ، إشراف الدكتور ناصر العمر حفظه الله ، فتوى حول :
” نقل الأضحية خارج بلد المضحي ” :
صورة المسألة : حكم نقل المضحي أضحيته لتذبح في بلد غير بلده ، سواء أ كان داخل دولته ، أم في دولة أخرى ؛ نظراً لوجود مسلمين في تلك البلدان أشد حاجة إلى لحوم الأضاحي من المسلمين في بلده ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :
اعلم أيها السائل الكريم أن من المصالح الكبرى التي عنيت بها الشريعة الإسلامية ، وكانت أحد مقاصدها العظمى ، تقديم المصالح، والعناية بذوي الحاجات والفقراء من المسلمين ، وإن من المصالح المحققة في هذا الباب جواز نقل الأضحية من بلد المضحي إلى بلد آخر ، لاسيما وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ما يمنع ذلك ويدفعه ،
والأصل في ذلك الجواز ، فإذا كانت الزكاة وهي واجبة بالإجماع يجوز نقلها من بلد إلى بلد للمصلحة والحاجة ، فكيف بالأضحية المستحبة ؟!
وقد منع بعض أهل العلم من ذلك؛ مستدلاً بفوات إظهار الشعيرة ، وقد قال تعالى : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر،ٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) الحج /36 .
وفي الاستدلال بهذه الآية نظر من وجهين :
الوجه الأول :
أن الناس لا يتفقون كلهم على ذبح ضحاياهم خارج بلادهم ، بل يبقى منهم من يضحي في بلده، فيبقى إظهار الشعيرة من هذا الوجه موجوداً . الوجه الثاني :
على فرض أن الناس جميعاً يذبحون ضحاياهم خارج البلد ، فإن أصل إظهار الشعيرة باق غير منتف ، فهو يظهر ويقوى ظهوره في بلد آخر ، وإن ضعف ظهوره في بلد المضحي؛ وذلك للحاجة والمصلحة .
كما أن القصد من الأضاحي إظهار الشعيرة في كل بلد ، ونفع الفقراء من المسلمين ؛ يقول الله عز وجل : ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) الحج /37 .
وقد جاء في الصحيحين من طريق أبي عاصم ، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته شيء، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي ؟ قال : كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها).
فالشارع لما نظر إلى فاقة الناس ، حرَّم عليهم الادخار فوق ثلاثة أيام ، فلما زالت تلك العلة زال النهي .
وحينئذٍ لا نجد حرجاً من الفتوى بجواز نقل الأضحية من بلد إلى آخر، إذا دعت حاجة المسلمين لذلك ، فإن أعداداً كبيرة من المسلمين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويعانون مسغبة ، وقد يموتون جوعاً ، والحاجة داعية إلى الوقوف معهم ، وإغاثتهم بالزكوات والصدقات ، ونقل الأضاحي إلى بلادهم ، فإنه لا يتعين في الأضحية مكان بلد المضحي ، وحين تفوت سنية الأكل من الأضحية فلا تفوت مصلحة إغاثة الفقراء والمساكين من المسلمين وسد حاجتهم ، والله أعلم ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين “.