ويرتكز العمل التطوعي في دولة قطر على مبادئ أساسية متجذِّرة في أعراف المجتمع القطري. فهو يمثِّل الركائز الدينية والإنسانية والاجتماعية والثقافية المتأصِّلة بصورةٍ عميقةٍ في المجتمع القطري. ولمناقشة هذا الموضوع نظمت “غراس“ ندوة “العمل التطوعي داخل قطر الواقع والتحديات وآفاق التطوير وفرص التأثير” استضافت فيها كلا من:
- الدكتور/ يوسف الكاظم رئيس الاتحاد العربي للعمل التطوعي ورئيس الرواد للعمل التطوعي
- السيد/ ناصر المغيب مدير إدارة استراتيجية التطوع باللجنة العليا للمشاريع والإرث
- السيدة فاطمة العمادي مديرة إدارة القيادة الطلابية والخدمة المجتمعية بجامعة قطر
ستتعرف عبر هذا المقال على:
المشاركون في الندوة ناقشوا أهمية وواقع العمل التطوعي في قطر، وكيفية تطويره ليكون أكثر فاعلية وتأثيراً. إضافة إلى الإعلام ودوره في التوعية بأهمية العمل التطوعي والتفاعل معه. وكذا الرسمية والأهلية والخيرية في تفعيل المشاركة في العمل التطوعي. ومدى استفادة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية من المتطوعين وواقع المبادرات الشبابية وتجاربها التطوعية.
يقول الدكتور يوسف الكاظم إن دولة قطر تذخر بالعديد من مجالات التطوع المختلفة حيث توفر المؤسسات التطوعية المعنية بهذا الأمر الفرص التدريبية. كما تقدم المحاضرات التوعوية لكافة الأعضاء الذين يرغبون في الانخراط لإعدادهم ومدهم بالخبرات التي تؤهلهم للعمل باحترافية في هذا المجال. ويحمل العمل التطوعي في ثناياه العديد من الفوائد الاجتماعية والمزايا الدينية. فجميعها يهدف في نهاية المطاف إلى ترسيخ مفاهيم التعاون والتعاضد المجتمعي وترسيخ الانتماء الوطني.
يعتبر العمل التطوعي في دولة قطر أحد المبادئ الأساسية للمجتمع وهو ما أكدته السيدة فاطمة العمادي في مداخلتها. حيث قالت “إن العمل التطوعي يعكس ركائز دينية وثقافية واجتماعية مستلهمة من العادات والتقاليد. وهو ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتماسكه. ونوهت بأن دولة قطر مهتمة بمجالات العمل التطوعي المختلفة. فالعديد من المؤسسات والمراكز في الدولة تقوم بتوفير فرص تطوعية مختلفة كشبكة “تم” للعمل التطوعي، ومؤسسة “طموح”، وقسم التطوع والخدمة المجتمعية في جامعة قطر.”
ويؤكد السيد ناصر المغيصيب ما ذهب إليه ضيفا الندوة، ويقول إن مفهوم العمل التطوعي في قطر مفهوم أصيل وعميق. فمنذ مئات السنين يغيث المجتمع القطري الملهوف ويقدم العون للمحتاجين. وقطر ” كعبة المضيوم ” تبادر دائما لتقديم العون للجار والصديق. وقد تم ترسيخ ذلك عبر إلزام طلبة المدارس الثانوية بتقديم مالا يقل عن 25 ساعة خدمة مجتمعية تشجيعا لروح المواطنة والمجتمع.
ترتيب الأولويات
وعن أسباب عدم تفعيل العمل التطوعي بالصورة الكافية يقول الدكتور يوسف الكاظم إنها تتمثل في انقطاع ثقافة التطوع لدى كثير من الأفراد، وعدم معرفة المضامين الهادفة للأنشطة التطوعية. ناهيك عن عدم توضيح فوائد ومكتسبات العمل الخيري التطوعي. بالإضافة إلى وجود العديد من المعوقات التي تعرقل طريق العاملين في اﻷنشطة التطوعية، وتنوع الأولويات. حيث يبرز ذلك في التركيز على المسائل التقليدية للعمل التطوعي، وعدم الاهتمام بنواحي ضرورية أخرى تحتاج إلى المزيد من العناية والاهتمام. فضلا عن التقليد لدى بعض قادة العمل التطوعي، وعدم استطاعتهم إنتاج حديث ثقافي تطوعي موجَّه، لديه القدرة على الابتكار والفعالية والاستجابة مع متغيرات العصر.
لكن السيد ناصر المغيصيب يرى أن العمل التطوعي مفعل بشكل كبير بدولة قطر، لكن ما يحتاجه هو ترتيب الأولويات. خصوصا فيما يتعلق بالفعاليات الكبرى مثلا في مونديال كأس العالم فى قطر 2022. حيث تم إطلاق برنامج العمل التطوعي في 2018 ليوفر الفرص التطوعية وتطوير قاعدة بيانات للاستفادة منها مستقبلا. وتطرق إلى التحديات التي تواجه ثقافة العمل التطوعي. حيث يعتقد كثير من الناس أن التطوع هو إهدار للوقت. فضلاً عن أن بعض المدراء يفضلون توظيف من كانت له فرص تطوعية سابقة. إضافة إلى توفير الفرص التطوعية للأقارب وضعف الثقة في المتطوع وإعطائه وتحميله مسؤوليات قليلة مما يثبط حب العمل التطوعي لديه.
زيادة فاعلية العمل التطوعي داخل قطر
و لكي يكون العمل التطوعي أكثر فاعلية وتأثيرا داخل قطر، يرى السيد ناصر المغيصيب أنه يجب رفع درجة الوعي بالعمل التطوعي من خلال تقديم برامج مميزة تتعلق بزيادة الوعي بقيمة العطاء ومفهوم العمل التطوعي وذلك باستخدام الوسائط الإعلامية المختلفة وإجراء البحوث عن العمل التطوعي، مثل البرامج التي تقدمها المراكز الشبابية وبرامج كأس العالم حيث تقدم اللجنة العليا للمشاريع والإرث كثيرا من هذه البرامج للمتطوعين، كما يجب تصميم قاعدة بيانات مفصلة تسهل عملية الوصول للمتطوع ، إضافة إلى نظام إدارة الفعاليات وادارة الفرص التطوعية حتى تأتي بنتائج أكثر فعالية.
ويذكر المغيصيب أنه يمكن الاستفادة من المتطوعين داخل قطر في عدة مجالات مثل المشاركة في تنظيم فعاليات رياضية محلية، أو توزيع مساعدات، أو تنظيم الجمهور، أو مساهمته بالتبرع بجزء من ماله أو مواد عينية لخدمة من حوله. أو عن طريق التطوع الفكري الذي يعتبر أرقى أنواع التطوع مثل كتابة عمود أو كتاب ثقافي وكذلك التطوع عن بعد من خلال تقديم المقترحات والتصاميم وغيرها.
تفعيل التنسيق بين مختلف الفاعلين في المجال التطوعي
أما الدكتور يوسف الكاظم فيقول إن تطوير العمل التطوعي يكون بالتنسيق والتعاون بين شركاء العمل التطوعي في الدولة لإيجاد أفضل السبل للارتقاء به. والوصول إلى شبكة من المتطوعين الشباب المدربين تدريبًا جيدًا ومساعدتهم في التعرّف على مختلف الفرص التطوعية لاختيار ما يناسب ميولهم وقدراتهم. فضلاً عن توفير معلومات دقيقة ومصنفة عن المتطوعين تساعد كافة أطراف التطوع من أفراد ومؤسسات لتيسير وضع الشخص في أماكن تناسب قدراتهم واهتماماتهم. وتلبية احتياجات أجهزة الدولة الحكومية والخاصة من المتطوعين.
كما يتم ذلك عن طريق تقديم الاستشارات الخاصة في مجال إدارة العمل التطوعي، والمساهمة في تصميم وإدارة الفعاليات والندوات والمؤتمرات وغير ذلك من الأنشطة المجتمعية.
وفي هذا الصدد لفتت السيدة فاطمة العمادي إلى أن فريق العمل في قسم التطوع والخدمة المجتمعية بجامعة قطر يسعى لإيجاد استراتيجية تساهم في نشر ثقافة العمل التطوعي بشكل أكبر. بالإضافة إلى جذب الطلبة خاصة فئة الشباب القطريين، خاصة الذكور منهم الذين تشهد نسبة مشاركتهم انخفاضا مقارنة بالإناث. كما يعمل القسم على توفير فرص تطوعية بطُرق مبتكرة لجذب هذه الفئة عن طريق الاجتماعات معهم لمعرفة تطلعاتهم والفرص التي تجذبهم للتطوع.
دور الإعلام
ويلعب الإعلام دورا كبيرا في التوعية بأهمية العمل التطوعي والتفاعل معه كما يقول الدكتور يوسف الكاظم في هذا الإطار. فالإعلام التَوعوي يقوم بإيقاظ جذوة الطاقات الكامنة لدى الشباب وتوجّهها نحو المزيد من العمل الإنساني الرائد في كل مكان. كما أنه يقوم بدور الإرشاد المجتمعي لخدمة القضايا الإنسانية.
ويضيف “أن هذا الواقع يحتاج من الإعلام وقفة جادّة يُحفِّز من خلالها قِوى الشباب المتطوع ويُشكِّل عبرها الوعي المجتمعي العام الذي لا يتأتَّى إلا من خلال تبني الحملات التوعوية المتنوعة وتنفيذ المبادرات المجتمعية الفاعلة.
من جانبه يؤكد ناصر المغيصيب للإعلام أهمية كبيرة في المجتمع لنشر وتعزيز ورفع مستوى الوعي بثقافة وقيم العمل التطوعي. إذ تعتبر مصدرا أساسيا لتبادل المعرفة في المجتمع المحلي والدولي.
ويرى أن للاعلام دوران مهمان. الأول يتعلق بالتحدث عن النتائج التي قدمتها الأعمال التطوعية مثل الثقافة والمعلومات والفرص التطوعية التي قام بها المتطوعون. والثاني عن طريق الترويج للفرص التطوعية مثل كأس العالم. إذ لابد أن ننشر بشكل عام وكبير جميع الأعمال التي قام بها المتطوعون لتعريف الناس بما قاموا به من جهد. وكذلك للترويج للفرص التطوعية لكأس العالم 2022 والتي تتوفر فيها 20 ألف فرصة تطوعية يستطيعون من خلالها تقديم المزيد للمجتمع.
دور المؤسسات
وتقول السيدة فاطمة العمادي إن دور المؤسسات يتمثل في إتاحة الفرصة لأفراد المجتمع وتشجيعهم للانخراط في مجالات العمل التطوعي. حيث إن كل مؤسسة في الدولة تستطيع أن تجد مدخلا لها في العمل التطوعي. كما يجب على المؤسسات إتاحة الفرص وتنويعها لموظفيها ومنتسبيها للانخراط في العمل التطوعي. فضلا عن تفعيل الشراكات مع المؤسسات المختلفة التي تتطلب وجود متطوعين للتنظيم أو المساعدة في فعاليات مختلفة.
وتضيف أنه يقع على عاتق الجامعة دور مهم من خلال زيادة وعي الطلبة في الانخراط للعمل التطوعي. ودورها كذلك في إيجاد فرص للطلبة. وتوفير البيئة لهم بما تتناسب مع احتياجاتهم ومهاراتهم. ومعرفة نوعية الفرصة التي يتطلع إليها الطالب. وإتاحة الفرصة للطلاب لتبادل المعارف ومعرفة تطلعاتهم.
فيما يرى الدكتور يوسف الكاظم أن دور المؤسسات يتمثل في تقوية الروابط الاجتماعية. فالعمل التطوعي يهتم بمختلف القطاعات الاجتماعية داخل المجتمع. وتشمل طبيعة التعاون في العمل التطوعي الشراكة المجتمعية، والتواصل والدعوة للمشاركة في الأحداث، والدعم. وتقوم العديد من المنظمات التطوعية بمشاركة المعلومات مع الحكومة، والمجتمع من أجل تقدم خدمات المجتمع.
تعزيز مكانة العمل التطوعي داخل المجتمع
أما ناصر المغيصيب فيقول إن للمؤسسات دوران رئيسيان: تطويرها لذاتها حتى تساهم في ترغيب الناس في التطوع بشكل مستمر فيها. أما الدور الثاني فهو دعم جهود الدولة في عملية تنظيم التطوع. وعليه ينبغي عليها أن تكون واعية بأهمية توثيق العمل التطوعي وتوفير الفرص التطوعية لتكون قادرة على إحصائها بشكل أكبر. ودعم الدولة عن طريق تقديم المقترحات والمشاركة في إعداد القوانين والسياسات التي تساهم في تنظيم العمل التطوعي.
وعلى مستوى العمل الخيري والإنساني بأن تعزز من إمكانيات العمل الإنساني ليستقطب المتطوعين ويتم دمجهم للاستفادة منهم بشكل أفضل. ويعتقد أن التطوع في مونديال كأس العالم 2022 فرصة تساهم في دعم دولة قطر بشكل كبير. منوها بأن برنامج التطوع باللجنة يستهدف 20 ألف متطوع من جميع أنحاء العالم للإسهام في دعم الجوانب التشغيلية خلال تنظيم الحدث المرتقب نهاية العام الجاري. حيث ترغب اللجنة في أن يكون أهل قطر وشبابها والمقيمون فيها القلب النابض في هذا المونديال ودعمه على أكمل وجه. أما نسبة 25% المتبقية من المتطوعين فسيتم استقطابهم من خارج قطر بهدف تعزيز التبادل الثقافي مع جميع دول العالم.
المبادرات الشبابية
ولإبراز دور المبادرات الشبابية وتجاربها التطوعية يقول الدكتور يوسف الكاظم إن الشباب والشابات المبادرين هم مجموعة من الأفراد، تجمعوا لغاية محددة ألا وهي التعبير عن ذواتهم وخدمة مجتمعهم لفترة محددة. فهم ليسوا مؤسسات ومنظمات يجب أن تضمن استمرارية المشاريع الشبابية أو استمرارية أثرها على من حولهم. وإن كانت المبادرة الشبابية ستترك أثرها في عقول ونفوس الشباب والشابات المبادرين أو من شملتهم المبادرة. وينوه إلى أن هناك خلطا كبيرا بين مفهوم المبادرات الشبابية والمشاريع الشبابية. فالمبادرات الشبابية قائمة لخدمة الناس دون مقابل، بل قد يدفع الشاب أو الشابة من جهده ووقته، بل وحتى من مصروفه.
وعن المبادرات الطلابية ذكرت السيدة فاطمة العمادي، أن جامعة قطر تشجع بشكل كبير المبادرات الشبابية الطلابية، وجميع الأفكار التي ترد من الطلبة تنال الاهتمام ويتم وضعها في إطار محدد ضمن السياسات المتبعة في جامعة قطر. بالإصافة إلى تقديم الدعم لها لضمان الاستمرارية. مشيرة إلى أن الجامعة حريصة على استمرارية واستدامة المبادرات الطلابية. حيث تبدأ المبادرة من قسم التطوع والخدمة المجتمعية كمبادرة تطوعية شبابية.حيث يتم فيها توجيه الطلبة وتزويدهم بالمهارات الأساسية ونقل مبادراتهم لتكون ناديا تابعا لأحد الأندية كنادٍ طلابي مستقل بذاته تحت قسم الأندية والمنظمات الطلابية الذي يشرف ويدعم خطط النادي وأهدافه وفعالياته.
فيما أثنى السيد ناصر المغيصيب على المبادرات الشبابية التطوعية. وقال “إنها دائما مميزة ولها دور كبير في دعم جهود العمل التطوعي. وذلك بحكم إنها قد تكون مرنة وليس لها قانون يحكمها وآليات شبه مركزية تبطئ من عملية إدارة التطوع بشكل كبير. وأيضا هم الأقرب للميدان والمجتمعات ما يسهل عليهم التحرك وفهم واقع المجتمع بشكل أكبر وأفضل. وكذلك لها دور كبير في دعم جميع المؤسسات الرسمية والحكومية في قطر.
وأشار إلى أن آخر الإحصائيات أوضحت أن التطوع غير الرسمي عن طريق المبادرات الشبابية يساهم في رفع مستوى العمل التطوعي مابين 30 % إلى 50% في بعض الدول. ومن الأشياء المميزة في هذه المبادرات هي أنها تحافظ على المتطوعين بشكل أكبر من المؤسسات التي قد ينشغلون في بعض الأعمال الإدارية عن المتطوعين. ناهيك عن الشفافية العالية والاحتكاك المباشر مع المتطوعين.
المقال منشور في العدد 27 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة