ثمة موقف حدث في طفولته وظل عالقاً في ذهنه حتى الآن. فبالرغم من حياة اليُتم التي عاشها وليد عبد المنعم خلال مراحل سنة المبكرة بعد رحيل والده المفاجئ، إلا أنه انخرط ضمن فريق متطوعين من مكفولي قطر الخيرية ليشاركوا في تقديم المساعدات الغذائية للأيتام والأسر المتعففة بأكثر المناطق فقراً في شرق النيل بالخرطوم بحري. يقول وليد: (رغم أني كنت يتيماً ومكفولاً حينها، لكن لم أستطع أن أنسى أبداً تلك الصور المؤثرة جداً لفرحة الأطفال والأمهات وسعادتهم الغامرة بالمساعدات. وتمنيت أن يوفقني الله في المستقبل لدعم وكفالة أيتام آخرين حتى تعلو وجوههم الوضيئة تلك الإبتسامات الآسرة التي لم تُمح من ذاكرتي بعد، لأن من أعظم الأعمال إلى الله سرور يمكن أن تدخله على مسلم).
ثراء التجربة
استمرت رحلة وليد بخُطىًّ واثقة لتحقيق أهدافه. وبعد أن أنهى دارسته الجامعية في السودان، انتقل إلى فرنسا لتطوير قدراته في اللغة الفرنسية. ثم عمل في مجال الأعمال والمبيعات والترجمة. قبل أن يصبح من أبرز صُناع المحتوى وأحد نجوم السوشال ميديا. حيث يشترك في قنواته المختلفة مئات الآلاف من المتابعين. ولديه أكثر من (250,000) متابع على منصة (تيك توك) وحدها. بينما يتابعه الشباب باهتمام فوق المعدل قنواته على اليوتيوب و(الإنستجرام). ويتشاركون الفيديوهات التي ينشرها على قناته في اليوتيوب (Waleedov Monim) وهو الاسم الذي اشتهر به وليد عبد المنعم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
قوة اليُتم
أحال وليد تجربة اليُتم من ضعفٍ إلى قوة. وقدم نموذجاً مُثيراً للإنتباه والإعجاب في العطاء. وأول ما التحق بوظيفة جيدة، بادر بكفالة (8) أيتام بعد أن طلب من والدته ترشيح الأيتام الأكثر احتياجاً لدعمهم سعياً لنيل الثواب العظيم لكافل اليتيم.
وبعد ثماني سنوات من الدعم المتواصل، لم تمضِ الرياح بما تشتهي سُفن وليد. فتعرض لانتكاسة في مجال أعماله وكاد أن يخسر كل شيء. وأكثر ما كان يقلقه هو عدم قُدرته على الوفاء بالتزاماته الشهرية التي كان يُخصصها للأيتام المحتاجين.
بيد أن شقيقه الأصغر أحمد، وهو مكفول سابق لدى قطر الخيرية كذلك، استلم منه تلك الراية وبادر حتى قبل أن يتخرّج من الجامعة بإقناع أصدقائه الطلاب بتخصيص مبلغ محدد من مصروفهم الزهيد لمساعدة الأيتام.
محتوى تحفيزي
ظل وليد موقناً بأن هناك شيئاً يُمكن أن يُقدِّمه خاصةً بعد تجاربه في الحياة الناجحة والقاسية في الآن ذاته. وعندما أحسّ بأنه لم يعد قادراً على أن يُرسِل دعمه المالي بصورة منتظمة لمن كان يعولهم، فكر في شيء آخر ينفع الناس فوجد نفسه في مجال صناعة المحتوى. وتحوّل إلى ما يشبه معلم الصيد بعد أن كان يمنح البعض سمكة. فاتسعت مظلة المستفيدين لغير الأيتام. حيث تشمل الآن شريحة الشباب الذين يساعدهم على التفكير التحفيزي وكسب رزقهم بطريقة مختلفة.
فالمحتوى الهادف الذي يُقدّمه وليد على السوشال ميديا بلغةٍ جاذبة هو في الغالب محتوى تحفيزي يهدف إلى تغيير أسلوب الحياة وتحقيق التنمية الذاتية. وكثيراً ما يُضمّن فيديوهاته رسائل تحُث على دعم ورعاية الأيتام والفقراء.
مواصلة المشوار
أعرب وليد عن تقديره وامتنانه لكفالة قطر الخيرية، وقال إنها كانت سبباً مهماً في ما وصل إليه. وأوضح أنه كان ينظر لموظف الرعاية الإجتماعية بالمنظمة كملاك يزرع فيهم الأمل بعد الألم الذي أحاط بهم عقب وفاة الوالد. واعتبر عبارة (فاقد الشيء لا يعطيه) محض كذبة صدقها البعض. (فالشخص الذي فقد والده هو الأقدر على الإحساس بمن فقدوا أباءهم. لذلك عندما تسلّمتُ أول راتب جيد في يدي كان أول ما فكرت فيه هو مساعدة الأيتام. ومثلما هناك جهات وقفت معي وساعدتني، فلابد من مواصلة المشوار وأن أُقدِّم لهم ما أستطيع، ولو استطعت تغيير حياة يتيم أو شخص واحد فهذا كافٍ بالنسبة لي).
* صورة المقال من أحد فيديوهات وليد عبد المنعم على يوتيوب.
المقال منشور في العدد 27 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة