طموح لدراسة الدكتوراه وخدمة الوطن رغم اليتم

2019-03-10

في كنف أبوين يعملان في المشيخة الإسلامية بمدينة موستار جنوبيّ البوسنة والهرسك أبصرت “سميّة كسبووتش” نور الحياة عام 1990. والدها كان إمام مسجد وأمها كانت معلّمة. عاشت أول عامين من عمرها بسعادة وطمأنينة تحفّها عناية أسرتها في تلك المدينة الوادعة الجميلة التي تتمتّع بمناظر طبيعية خلّابة.

مأساة موستار

لكن وتيرة حياتها لم تمض على هذه الحال. فقد كان العام الثالث مختلفا تماما، تخلّله صراع امتدّ في الفترة من 1992 ـ 1995م. وبسبب توتر الأوضاع في المدينة، والخوف على أسرته قام والدها بنقلها مع أسرتها للإقامة في مخيم للاجئين في كرواتيا، وتركهم هناك ورجع وحده لموستار. وبعد عدة أشهر أعادهم إلى موستار ليعيشوا معا  فيها، على اعتبار أن الصراع الذي كانت رحاه تدور آنذاك توقّف. لكنّه للأسف عاد ليطلَّ برأسه من جديد، وليكون والدها أحد ضحايا نيرانه المُستَعرة. وبذلك أصبحت سمية يتيمة، وكانت حينها في الثالثة من عمرها.

تتعاظم معاناة أسرة كسبووتش بسبب غياب المعيل وضعف المورد المعيشي، وأجواء الخوف والقلق المحيطة بها. لكن عناية الله تدرك هذه الأسرة فتبدأ الأمور بالانفراج بعد أقلّ من عامين، وتحديدا عام 1995، حينما امتدت إلى سميّة وأخويها يد كافل كريم من قطر، لتكفكف دموعهم وتخفّف عنها وعنهم مرارة اليتم وغياب دفء الأبوة. ولتكون سببا في توفير دعم مادي ومعنوي للفتاة كي تحقّق أحلامها في التميّز والتفوّق. على دروب المعرفة والتحصيل العلمي داخل بلادها وخارجها. ولتتوِّج ذلك بنيل درجة الماجستير.

 تفوّق وطموح

لقد انعكست كفالتها التي أكرمها الله بها وامتدت من عام 1995 إلى عام 2011 على حياتها الشخصية وحياة أسرتها بشكل إيجابي ملحوظ في عدة أمور، لعلّ أبرزها كما تقول: “أنها ساندتنا في تخطي صعوبات المعيشة، ومواصلة الدراسة، وبالتالي أثّرت في تقدمنا ونجاحنا عموما، كما زرعت في قلبي حبّ  البلاد العربية وحبّ اللغة العربية، وهو ما حَفَزني على تعلِّمها وإتقانها” .

تقول سميّة كسبووتش “في مدرسة اليتم تعلّمتُ الصبر والكفاح، والجد والمثابرة” لتتمكن من رسم قصة طموح مذهلة . إضافة إلى الثقة القوية بالله أولا وبنفسها ثانيا، وهو ما أسهم في مجمله في تحقيق أحلامها التي خططت لها”. وتقول: “كل طموحاتي تحقّقت بفضل الله، كنت أستمد القوة منه سبحانه وتعالى، فأجد أنّ الأمنيات التي كنت أسعى لها لا تتأخّر عني”.

بدأ مشوار سمية في الطموح والتفوق منذ الصغر. فقد تخرّجت من المدرسة الأساسية بامتياز في عام 2005، ثم تخرّجت من المرحلة الثانوية بامتياز أيضا عام 2009.

وبناء عليه أتيحت لها فرصة الدراسة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. وهناك قضت أربع سنوات لتتخرج من هناك بتفوق، وتعود للبوسنة مرّة أخرى.

زيارة سميّة كسبووتش لقطر

تشاء محاسن الصدف أن ترعى اليد الحانية سمية وهي يتيمة عندما كانت طفلة صغيرة، وطالبة علم في مرحلة الدراسات العليا وهي شابة في مقتبل العمر، بل ويكون نصيبها أن تواصل مشوارها العلمي في قطر البلد الذي أحبّها وأحبّته. وكم كانت سعيدة حينما حصلت على منحة دراسية لدراسة الماجستير في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة بقطر (عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع).

وتستمر قصة طموح سمية وتمضي في الدوحة أكثر من عامين مختتمة تلك الفترة بالحصول على درجة الماجستير خلال عام 2018. وكانت رسالتها ” التقاء التراث الاسلامي بالعلوم الاجتماعية.. حالة علم النفس الاسلامي”.

تعتبر سمية دراستها في ماليزيا ثم في قطر من أهم محطات حياتها وأكثرها ثراء. وتشير إلى أنها استثمرت وجودها في الدوحة لتحسين لغتها العربية، وخصوصا مهارة التحدث، مشيرة إلى أنّها تعلّمت العربيّة في دول غير عربية في البداية. ولكن وجودها في قطر وفّر لها فرصة أكبر لممارسة هذه اللغة الجميلة التي تعشقها.

تعزيز الذات

ولأنها تدرك عظمة مساعدة الآخرين عمليّا بعد أن لمست أثره مِمَن وقف معها خلال السنوات الماضية من عمرها؛ فإنّ سمية تؤمن بأهمية العمل التطوعي والخيري والمشاركة فيه بقوة.

بدأت ذلك في تعليم الأطفال بمدينتها وفي ببعض الأنشطة الطلابية التطوعية أثناء دراستها في ماليزيا، وهي عندما تفكر فيه حاليا  تفكر في التربية و الأطفال وخصوصا الأيتام، لأنها  ترى في  ذلك أهمية كبيرة، كما أخبرتنا.

قوة إضافية تستمد منها سميّة كسبووتش دوافعها

ولا تنس سميّة أن تختم حديثها بكلمة من القلب وجّهتها إلى الأيتام عبر العالم مُحفِّزة إياهم على الثقة بالله، والتميّز في حياتهم، من واقع التجربة والمعاناة التي مرت بهما، وقد جاء فيها: ” كونوا قريبين من الله، وثقوا به فإنّه يرعاكم رعاية متميزة! لكن ستحتاجون قوة أكثر بقليل من الأطفال الآخرين فاطلبوها من القويّ العزيز! لا تخافوا من الحياة وكونوا متميزين!”

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق