فضل كفالة ذوي الإعاقة: خير عظيم نغفل عنه!

2023-03-27

يشير مصطلح الإعاقة إلى الإصابة بقصور كلي أو جزئي بشكل دائم أو لفترة طويلة من العمر في إحدى القدرات الجسمية، أو الحسية، أو العقلية، أو التواصلية، أو التعليمية، أو النفسية، وتتسبب في عدم إمكانية تلبية متطلبات الحياة العادية من قبل الشخص المعاق واعتماده على غيره في تلبيتها، أو احتياجه لأداة خاصة تتطلب تدريبًا أو تأهيلًا خاصا لحسن استخدامها.



والعناية بذوي الإعاقة والقيام بأمرهم من فروض الكفاية على أمة الإسلام، بحيث تأثم في حال التقصير بحقوقهم. فمن أوجب واجبات الأمة حكاماً وأفراداً ومنظمات وجمعيات خيرية الاهتمام بهؤلاء الضعفاء (جسمياً) ورعايتهم ورفع الظلم عنهم. قال صلى الله عليه وسلم ﴿ ابْغُونِى الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ﴾ رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم ﴿ هل تُنْصَرون وتُرْزَقون إلا بضعفائكم ﴾ رواه البخاري، فهؤلاء من أشد الناس إخلاصاً في الدعاء ، ومن أكثرهم خشوعاً في العبادة لبعد قلوبهم عن التعلق بزخارف الدنيا، فالضعيف غالباً إذا رأى عجزه تبرأ عن الحول والقوة واستعان بالله، بخلاف القوي الذي كثيراً ما يغتر بقوته وتعجبه نفسه ويركن إلى قدرته.



أعظم أعمال البر

وإن قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم من أعظم أعمال البر، فقد فضل أهل العلم الأعمال ذات النفع المتعدي إلى الآخرين على النفع الخاص. وقد ثبت الترغيب في ذلك، كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ﴾.

  وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ﴾.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني. فهذا الحديث الأخير يفيد فضل السعي في حوائج المسلمين على الاعتكاف مدة شهر.

مكانة خاصة أولاها الإسلام لذوي الإعاقة

وقد لاقى أصحاب الإعاقات في الإسلام كل تكريم وعناية ورعاية من الناحية الأدبية، ومن الناحية التشريعية؛ فقد جعل الإسلام مِن أبواب الصدقات أن تعين المصاب، ومَن به عَجْزٌ؛ كالأعمى والأصم، فعن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ على كل نفس، في كل يوم طلعَتْ فيه الشمس، صدقة منه على نفسه، قلت: يا رسول الله، مِن أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: لأن مِن أبواب الصدقةِ التكبيرَ، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكَر، وتعزِل الشوك عن طريق الناس، والعَظْم والحجَر، وتَهْدي الأعمى، وتُسمِع الأصمَّ والأبكم حتى يفقَهَ، وتدُلُّ المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدَّةِ ساقيك إلى اللهفانِ المستغيث، وترفَعُ بشدَّةِ ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جِماعِ زوجتك أجرٌ ﴾ الحديث رواه أحمد واللفظ له، ومعناه أيضًا في مسلم.



وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: (الإيمان بالله، والجهاد في سبيله)، قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: (أنفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا)،قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تُعين صانعًا، أو تصنَعُ لأخرَقَ)، (والأخرقُ: هو الذي لا عقل له، أو الذي لا صنعةَ له)، قال: قلت: يا رسول الله، إن ضعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: (تكُفُّ شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقةٌ منك على نفسك)؛ رواه مسلم في كتاب الإيمان، وفي هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل ذوي الإعاقة، صحيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسد احتياجاتهم. وتعتبر العناية بذوي الإعاقة والقيام بأمرهم من فروض الكفاية على الأمة، بحيث إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين، ومن صور هذه الرعاية:

  • العلاج والكشف الدوري لهم.
  • تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم.
  • توظيف مَن يقوم على رعايتهم وخدمتهم.
  • سد حاجتهم الأساسية والمعيشية كونهم ضعفاء يعجزون عن توفيرها هم بأنفسهم

ومن يطالع التاريخ الإسلامي يرى كيف اهتم الخلفاء المسلمون بذوي الإعاقة في كل العصور وكيف أجروا عليهم الأوقاف وبنوا لهم دور الرعاية وأنفقوا عليهم أسوة باليتامى واللقطاء، فقد أصدر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قرارًا إلى الولايات: (أن ارفعوا إليَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زَمَانَة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة) فرفعوا إليه، وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه، وأمر لكل اثنين من الزمنى -من ذوي الاحتياجات- بخادمٍ يخدمه ويرعاه. وعلى نفس الدرب سار الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك -رحمه الله تعالى-، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز رعاية لذوي الإعاقة، فأنشأ [عام 707م – 88هـ] مؤسسة متخصصة في رعايتهم، وظّف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًّا لذوي الإعاقة، وقال لهم: “لا تسألوا الناس”، وبذلك أغناهم عن سؤال الناس، وعين موظفًا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير.

كما أمَر الإسلام بزيارة ذوي الإعاقة، وعدمِ تركهم وعزلهم، وهذا مِن باب الرحمة بهم؛ فقد كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يُكثِر من زيارته للضعفاء والعاجزين؛ روى البيهقي والبزار والمنذري من حديث جبير بن مطعم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((اذهبوا بنا إلى بني واقف نزور البصير)) (وكان هذا رجلًا أعمى). وهذا صارت لذوي الإعاقة مكانتهم المحفوظة في المجتمع الإسلامي، وأصبحوا جزءاً فاعلاً في نسيج المجتمع، بخلاف حضارات أخرى كانت تظنهم لعنة، وتقصيهم وتنفر منهم.  

شخصيات بارزة من “ذوي الإعاقة” صنعت أمجادنا

وكثير من أبرز الشخصيات في تاريخنا الإسلامي كانوا أصحاب علل، وذوي احتياجات، ومنهم الصحابي الجليل ابن أم مكتوم رضي الله عنه الذي استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين على المدينة وهو أعمى، وكان أيضاً مؤذناً له صلى الله عليه وسلم، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بن جبل وهو أعرج في إحدى قدميه فأرسله قاضياً وأميراً على اليمن، فلم تمنعه إعاقته عن تولي المناصب الرفيعة. وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان كفيفاً ولكن ذلك لم يمنعه أن يكون حَبْرَ الأمة وعالم التفسير الأول مصداقاً لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} صححه الحاكم ووافقه الذهبي. ومن أشهر علماء التابعين عطاء بن أبي رباح الذي يعتبر إمام الفتوى ومرجعية كافة الفقهاء وأئمة المذاهب الفقهية في زمانه، وقد اجتمعت فيه كثير من الإعاقات: فقد كان أعور العين أشلّ اليد أعرج القدم أفطس الأنف، فلم تمنعه هذه الحال من النبوغ.



نظام إسلامي متكامل للتكافل الاجتماعي

إن من أهم ما جاء به الإسلام في المجال الاقتصادي، هو مبدأ التكافل الاجتماعي، بمعنى ضمان الحد اللائق لمعيشة الأفراد، بحيث يكون الفرد قادرا على الإنفاق على نفسه وعلى من يعول، مهيئاً لأسرته حياة كريمة تلحقهم بالمستوى المعيشي السائد في مجتمعه، وهذا الحد هو ما عبر عنه رجال الفقه الإسلامي القدامى باصطلاح “حد الكفاية”، تمييزا له عن “حد الكفاف” الذي هو الحد الأدنى للمعيشة، وهو الحد الذي بالكاد يسمح للأفراد بالبقاء على قيد الحياة، والذي زاد عند تطبيقه من اتساع الهوة بين طبقات المجتمع على اختلافها. فإذا عجز الفرد أن يوفر هذا الحد لنفسه عجزا جزئيا أو كليا، لمرض أو شيخوخة، أو لتقصيره عن إدراكه لسبب خارج عن إرادته، فإن النفقة عليه في تلك الحالات تصبح واجبة وأحد أهم مصادر هذه النفقة هي الزكاة.

وقد انطلقت قطر الخيرية من هذا الإرث العظيم، ووفرت مساعداتها لكل ذي حاجة، ووفرت لمن أصابهم العجز، من مقعدين أو مكفوفين، أو من يعانون من مشاكل السمع، مشاريع متعددة، منها الكفالة الاجتماعية المالية، ومنها المقاعد المتحركة، والأطراف الصناعية، وعمليات زراعة القوقعة، وعمليات العيون، والنظارات الطبية، كما التفتت لفئة المسنين واعتنت بهم من خلال تقديم الكفالة لهم رحمة بهم وعوناً لهم إذ تقدم بهم العمر، ولم يعودوا قادرين على خدمة أنفسهم، ولم يكن لهم معين.

إن من ابتلي من الضعفاء بعجز مزمن، واجتمعت عليه مرارة فقد نعمة الصحة، ومرارة الفقر، لهم من أولى الناس بالرعاية والعناية، فطوبى لمن وفقه الله لكفالتهم وإعانتهم، شكراً لله على نعمه التي لا تحصى!

اكفل الآن من خلال قطر الخيرية وكن عوناً لضعيف مكروب، فالراحمون يرحمهم الرحمن، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق