كيف لوّنت القرية النموذجية القطرية حياة النازحين السوريين

2023-04-06

صَبغَتْ معاناة النزوح حياة ” أبو محمود” بظلال قاتمة خصوصا مع بداية هذه الرحلة. رغم أن حياته قبل ذلك كانت قريبة من الألوان حينما كان يساعد أهل بلدته ” قلعة المضيق” بريف حماة في دهان منازلهم، لحبّه بهذه المهنة رغم أنّ عمله الأساسي هو في الزراعة.

مع بداية عام 2019 تعرّض ريف حماة لقصف شديد ومن ضمنه بلدة “أبو محمود” مما اضطر “أبو محمود” لمغادرتها على الفور هو وأسرته هربا بأرواحهم من الموت، وعبر سيارة انتقل شمالاً باتجاه الحدود التركية ليجد خيمة تؤويه هو وعائلته، ومع حلول الفجر وصل إلى مخيم يسكن فيه أحد أقربائه.

عربة زراعية للسكن

يواصل ” أبو محمود ” حديثه مستذكرا تلك اللحظات الصعبة قائلاً: عند وصولنا كان الجميع بحالة تعب نفسي وجسدي شديدين نام الجميع، وذهبت أبحث عن مكان نسكن فيه وبعد البحث وجدت عربة زراعية قديمة وضعت فوقها “شادر” وسكنا فيها لما يزيد عن شهر، ولا أريد أن أتذكّر تلك الأيام التي كانت تعادل ببؤسها أيام القصف بقريتنا.

بقي أبو محمود لفترة في هذا المخيم.. كان خلالها دائم التفكير في حلّ يعود به وبأسرته إلى حياتهم الطبيعية ـ قدر الإمكان ـ طالما أن العودة لبلدته في ظل تواصل الأزمة ببلاده غير ممكنة إلى أن سمع عن قرية سكنية نموذجية بنتها قطر الخيرية للعائلات النازحة قرب منطقة كفرلوسين شمالي إدلب قرب الحدود التركية، وكانت حينها على وشك الانتهاء. أعجبته القرية لأنها عبارة عن وحدات سكنية من الحجر مخططة كأي مشروع سكني آخر، ومخدّمة بالمياه والصرف الصحي، وفيها مرافق أساسية (جامع ومدرسة ومركز صحي وسوق تجاري) فدعا الله أن يكون له نصيب فيها.

يستكمل أبو محمود حديثه فيقول: لم يخيب الله رجائي فقد حصلت على منزل فيها بعد تقديم طلبي وتقييم حالتي نظرا لحالتي الصحية والمكان التعيس الذي كنا نسكن فيه في المخيم، وعند استلام المنزل الذي نسكنه حاليا كانت سعادتنا لا توصف.. ولسان حالي يقول: أخيراً سنسكن بيتا له باب وسقف، يحمينا من المطر والبرد، ويحفظ خصوصيتنا الأسرية.



رسم على الجدران

لم تقتصر فرحة أبو محمود بحصوله على المنزل فقط، بل كان مسرورا بعودة أطفاله وجميع الأطفال الموجودين في القرية إلى المدرسة لأن نور العلم تعني بداية مستقبل مشرق لهم، وكان مرتاحا لتوفر الخدمات الأخرى في القرية لاسيما المركز الصحي والسوق.   

تغيّرت حياة ” أبو محمود” وتحسنت نفسيته، وبسبب وقت الفراغ الذي لديه وحبّه السابق لمهنة الدهان وشغفه بالألوان قرر تطوير موهبته في الرسم عموما وفي الرسم على الجدران خصوصا فاشترى ريشة وعلب ألوان، والآن أصبحت هذه الموهبة مهنة يعتاش منها، وتساعده على تأمين مستلزمات أسرته.

عمل ” أبو محمود على تلوين مدرسة القرية النموذجية التي تستقبل الطلاب في كل صباح مع إشراقة الشمس بكلّ شَغَبِهم المحبب، ومن المدرسة انتقلت ريشة “أبو محمود” كفراشة إلى المسجد وحطت على جدرانه وقبته بخفة ورشاقة تاركة بصمتها زخرفةً وألواناً مبهجةً لتضفي على سكينة المكان وروحانيته لمسة جمال تريح المصلين ذهابا وإيابا.

يقول “حكمت عبد الرحمن” أحد سكان قرية قطر الخيرية النموذجية: محظوظون بهذه القرية التي يتوفر فيها سكن لائق ومرافق أساسية مناسبة، ولا شك أن الابتسامة الودودة لـ “أبو محمود” وريشته وألوانه الجميلة تبعث الأمل والإيجابية في حياتنا رغم الصعوبات المصاحبة لتواصل رحلة النزوح عن ديارنا وأحبابنا.


بقلم/ عامر الفج – شمال سوريا

المقال منشور في العدد 28 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق