تأليف: سارة النعيمي
المرحلة الثانوية ـ بنات
النسخة الثالثة لبرنامج كتاب المستقبل
أرملةٌ فقيرة تقطن مدينة صغيرة، تعيش مع طفلها ذي السنوات الست، حجرةٌ متهالكة فوق سطح أحدِ البنايات، تضمُ الطفلَ وأمّه، أتعجبُ من مقدارِ الرضا والسعادة التي يتمتعُ بها الاثنان، قُوتُ يومهما صعبُ التحصيل، رِضاهما بما قسمَ الله يطغى على كلِّ تفصيل، في تواضعٍ جمٍ يعيشان، مأواهما حدودهُ أربعةُ جدران، وبابٌ خشبي وسقفٌ بسيط.
رعدٌ وبرق
فصلُ الشتاء، كانَ أكثر ما يزعِج هذهِ المرأة، في حجرةُ يصعبُ التعاملُ معها مع دخولِ موسم الأمطارِ والثلوج، غيومٌ ماطرة، سحبٌ داكنة، تملأ سماءَ القريةِ كلحافٍ يغطي مُعظمها، أحوالٌ جويةٌ صعبةٌ ومخيفة تستوجبُ التصدِي لها.
في الوقت الذي يَحتمي الجميعُ بمنازِلهم الدافئة، كانَ على الأرملةِ وابنها مواجهة الموقف العصيب بمفردهما، صوتُ الرعدِ يخترقُ سمعَهما يكاد يحطم جدران تلك الغرفة، برقٌ يضيء بين الحينِ والآخر، زجاج بقايا نافذة كُسرت، مطرٌ كالسيل، يخترقُ سقفَ المنزلِ الهشّ الذي باتت فتحاته سماء ممطرة أخرى، فإذا ما اشتدَ، تساقطت قطراته على رأسيهما، تحتارُ هذهِ المسكينة، كيف تحمي صغيرها مما أحدثتهُ العاصفة الماطرة، لا تدري أتبحثُ عن ما يوقفُ المطر المتساقط؟!، أم تخبئ طفلها بعيدًا عنه؟!.
ابتسامة رضا
تدورُ باحثةً عمّا يحجزُ الماءَ عن فلذةِ كبدها، وفي غُمرةِ انغماسها في البحث، جُلّ ما وجدَته هو بابُهما الخشبي الذي تمَ استبداله قبلَ أسبوع، لشدةِ اهترائه، أسنَدته برفقٍ على أحدِ الجدران، وخبأت صغيرها تحت هذا الباب، ليمنع بدوره سيل المطر المنهمر.
فما كان من هذا الطفل إلا أن نظر الى والدته بعينين بريئتين، وقد علت وجهه ابتسامة رضا:” أمي، ترى ما الذي قد يفعله الفقراء بلا باب كبابي؟! الحمد الله أنّ لنا باباً”.
قالها لباب لم ترَ عيناه الحَامِدتان خشباته التي كانت قد فُلِقت لقِدَمِها، إني لأعجب لقناعة متجسِّدة في روح صغيرة!
مَلِك الدنيا
أعجب لكمية النِعَم التي لدينا، نِعَمٌ غارقون بها، هي حلم الكثير، أستشعر كمية الوقت الضائع في التحسّر على نعم الآخرين، كان بإمكاننا أن نسعد ونرضى بالمقسوم، أعجب للذين لا يملأ أعينهم إلا التراب، مع أنّهم لا يملكون أبواباً فقط! بل أبوابا من ذهب! وأشعر بعظم السعادة التي يخلقها الرضا فتجعل من فتى صغير فقير مَلِكاً؛ لأنه فقط يملك باباً غطّى بعض جسده من شلال مطر منهمر، أتعلّمُ درسًا عظيمًا من هذا الصغير، فهو لم ينظر لمن هم أعلى منه، بل استشعرَ نِعَم الله عليه وعلى والدته، يعيش ملكًا في عين نفسه، غير طامع بما ليس عنده، بابٌ يحميه، فراشٌ يؤويه، أمٌ تحبّه، وكأنّه ملك الدنيا، وكأنّه ينتمي إلى طبقة الأغنياء، لمجرد أنّه يمتلك باباً!