“نسمة” أول كفيفة تحصل على الدكتوراه

2023-09-03

لم تَحُلْ إعاقتها البصرية والصعوبات التي واجهتها بسبب ذلك، وضعف ذات يد أسرتها من تحقيق حلمها في نيل درجة الدكتوراه، لتكون بذلك أول فتاة كفيفة تحصل على هذه الدرجة الأكاديمية عام 2023 على مستوى قطاع غزة، وكان عنوان أطروحتها “مظاهر فساد الروابط الاجتماعية داخل الأسرة وسبل علاجها.. دراسة موضوعية قرآنية”ـ جامعة طرابلس/ لبنان.

كفالة متواصلة

إنها نسمة أسعد الغولة، واحدة من ذوات الهمم، وكلمة السر وراء تميّزها العلمي ـ كما أخبرتنا ـ هي: الثقة بالله والإصرار والعزيمة، ودعم الوالدين ودعائهما المستمر، ووقوف الكافلين الكرام من أهل قطر إلى جانبها منذ الصغر وصولا إلى درجة الدكتوراه من خلال مبادرة “رفقاء” التابعة لقطر الخيرية والتي توفر الكفالات للأيتام وأبناء الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وتقدّم لهم الرعاية الشاملة بما في ذلك المجال التعليمي.

التحقت نسمة بمدارس المكفوفين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وحصلت على أعلى الدرجات فيهما، ومنذ تلك الفترة (عام 2007) كانت تتلقى كفالة من قطر الخيرية ضمن فئة ذوي الإعاقة البصرية، ثم استمرت كفالتها ضمن فئة طلبة العلم خلال دراستها الجامعية، ثم تم تقديم الدعم لها أثناء مشوار دراستها العليا حتى أنهت مرحلة الدكتوراه.

 ومن المعاناة المبكرة لنسمة في مجال التعليم أنّها اضطرت أن تلتحق بمدرسة ثانوية عامة للبنات قريبة من بيتها لأن ثانوية المكفوفات بعيدة عن بيتها وتحتاج لمصاريف إضافية. وقد احتاجت نسمة إلى بذل جهود كبيرة للنجاح فيها كونها لا توفّر ظروف الدراسة المناسبة لها والتعليم بطريقة برايل، وبالرغم من ذلك حصلت على معدل 85 بالمئة، فتمّ تكريمها من قبل وزارة التربية والتعليم.  

بين التحديات والطموح

التحقت نسمة بكلية الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية ـ غزة، وتخرجت منها وكانت الثانية على دفعتها، وكان من دواعي سرورها أنها أول فتاة كفيفة تلقي كلمة الخريجين آنذاك، ولأن طموحها لا يعرف الحدود فقد واصلت تعليمها العالي ونالت درجة الماجستير، وعملت بعدها منسقة لمركز خدمات الإعاقة والدمج في الجامعة الإسلامية، وظل حلمها أن تواصل مسيرتها الأكاديمية للحصول على الدكتوراه.

وعندما سألناها عن أهم الصعوبات التي أخّرت التحاقها أربع سنوات بمرحلة الدكتوراه فقالت: الوضع المادي وعدم توفر رسوم وتكاليف الدراسة، والهاجس والقلق عند اختيار الجامعة التي سألتحق بها، والإشكالات المتعلقة بالاضطرار للسفر خارج غزة من أجل مناقشة الرسالة، والتساؤل الذي يدور في الذهن: هل سأكون قادرة على إنجاز متطلبات هذه المهمة التعليمية أم لا بسبب ظروفي والظروف المحيطة بي؟


إحدى ثمار مبادرة رفقاء: "نسمة" أول كفيفة تحصل على الدكتوراه

نقطة الانطلاق

ثم استدركت قائلة بثقة: سهّل الله أن تكفّل كافلي الكريم بتوفير أقساط الدراسة ـ جزاه الله خيرا ـ وكانت هي نقطة الانطلاق للتفكير الجديّ بمواصلة الدراسة. وأثناء الدراسة ـ كما في الماجستير ـ واجهت مشاكل صعوبة التعامل مع المراجع لكتابة أبحاثها المطلوبة ثم الرسالة، لأن الكثير من النسخ الالكترونية للكتب تكون متوفرة بصيفة ( بي دي إف) وهو ما لا يتمكن البرنامج الناطق من قراءتها، فكانت تقوم بطباعة هذه الكتب بصيغة (وورد) وبعضها بطريقة برايل، فضلا عن صعوبات التشتت والقلق بسبب الأوضاع غير المستقرة في غزة وتصعيد المحتل من فترة لأخرى، والصعوبات التي واجهتها خلال السفر للبنان من التوتر والمشقة، ولكن تمكنت بالاستعانة بالله والصبر ودعم من حولها من أسرتها وزميلاتها من إنجاز الدكتوراه كاملة بحدود 3 سنوات.  

بصمة فارقة

ووجّهت نسمة بمناسبة إنجاز حلمها وافر الشكر وعظيم الامتنان من أعماق قلبها قلبي لكافليها الكرام ولقطر الخيرية قائلة: منذ طفولتي ما توانيتم يوما عن مدّ يد العون، ولم تقفلوا هاتفا في وجهي، واعتبرت أن قطر وأهلها بصمة فارقة في حياتها بدعمهم المادي والمعنوي، وابتهلت للمولى أن يديم عطاؤهم ويرفع قدرهم ويديم فضلهم.  

تطمح نسمة في المستقبل أن تكون محاضرة في جامعات غزة لنشر العلم الشرعي بين الطلاب، وأن تكثّف مشاركتها في المؤتمرات ونشر الأبحاث المختلفة التي تعالج قضايا ذوي الإعاقة، وكذلك تكثيف التدريبات التي تصقل مهاراتها لتعميمها بين الطلبة من ذوي الهمم.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق