عندما تعصف الأزمات بالإنسان في هذا العالم المتلاطم، تحل طواقم العمل الإنساني كسفينة إنقاذ وجدار حماية ورسالة أمان. ومن وسط حقل العمل الإنساني الواسع يبزغ نور الإعلام الإنساني المتخصّص كبقعة ضوء في محيط مظلم، وجوهرة نقاء في كومة مخلفات، جدير بأن نعطيه حقّه من التطوير والتمتين والريادة.
وقبل الخوض في تساؤلات واقع العمل الإنساني في عالمنا العربي، وطموحات التطوير والرقي به للوصول إلى الأداء المؤثر والإنجاز المثمر، يحضر السؤال المهم: أين تكمن أهمية الإعلام في واقع المنظمات الإنسانية؟
وللإجابة على هذا السؤال، فإن الإعلام الإنساني مرتبط ارتباطاً وثيقاً ولصيقاً بالعمل الإنساني نفسه وملازم له في كل المراحل، فهو صوت المنظمات ورسولها إلى العالم لا سيما ونحن نتحدث عن القطاع الإنساني الأكثر قرباً من حاجة الناس والمرتبط بالأهداف النبيلة والقيم السامية.
الإعلام الإنساني أداة فاعلة لخدمة المجتمعات، ووسيلة مساعدة لنقل معاناة الناس وحشد الجهود لدعم قضايا العمل الإنساني والتنموي بكل صوره وأشكاله بداية من الإغاثة والاستجابة العاجلة والتدخلات الإنسانية في مختلف مناطق الكوارث والأزمات والنزاعات وإنقاذ أرواح الضحايا ومساعدة المحتاجين وإعادة البسمة إلى وجوه البائسين.
ليس هذا فحسب بل تكمن أهمية هذا القطاع الإعلامي في بناء الجسور بين أصحاب الحاجات، والمتبرعين والمانحين وتوسيع نطاق عمل قطاع العمل الخيري والإنساني إلى مساحات أكبر وتعميم الخير والنفع لأكبر شريحة من الضعفاء والمحتاجين والمساكين.
بالتأكيد لا يمكن إغفال دور العمل الإنساني في نقل الصورة المشرقة للعمل الإنساني وصناعة الصورة الذهنية الإيجابية عن عمل المنظمات الخيرية والإنسانية، وأدوارها البارزة في الإغاثة والتنمية والمساعدة والحماية والرعاية الصحية والغذائية وتوفير متطلبات العيش للاجئين والنازحين والفارين من مناطق النزاعات الملتهبة والكوارث الطبيعية.
اليوم لم يعد يقتصر عمل الإعلام الإنساني على صناعة الصورة وإخبار الناس بالاحتياج الإنساني والمساهمة الفاعلة في الحث على سد تلك الاحتياجات، ولكنه تعدى ذلك إلى كونه قوة ناعمة ومؤثرة على المستوى الدولي في حل الأزمات وإيقاف الصراعات وتخفيف الأضرار والمساهمة في حماية الإنسان في أي أرض وتحت أي سماء.
ونتيجة لهذه الأهمية البالغة، وذلك الاحتياج الشديد لهذا القطاع الحيوي الهام، فإن الإعلام الإنساني بحاجة إلى جهود فاعلة وأدوات تحديث إبداعية لصناعة نموذج حيوي وفاعل من الإعلام المؤثر والمنظم والمنضبط في نفس الوقت لخدمة القضايا الإنسانية والمجتمعية والتنموية المختلفة.
نحن في زمن زادت فيه النزاعات واشتعلت فيه الحروب وزادت قائمة الاحتياجات الإنسانية وموجات النزوح وطلبات اللجوء وأصبحت جهود المنظمات الإنسانية عاجزة عن تغطية كل هذا الكم من الحاجات والكوارث في كل مكان، وهذا الأمر يتطلب استجابات عاجلة وتطوير شامل في أطر العمل الإنساني وعلى رأسها خطط الإعلام وأدواته لخدمة العمل الإنساني وتدعيم أنشطته.
رسالة الإعلام الإنساني سامية، وهو يقدم معانٍ راقية في حقل معقد للغاية وتحفّه المآسي، وبالتالي فهو بحاجة إلى رصانة واتزان وجودة وشمول وحقائق مجردة قائمة على أسس احترافية تصل إلى أفق أوسع وتأثير أشمل ونتائج أينع.
نحتاج إلى إعلام إنساني ينشر التفاؤل ويعمّم الابتسامات ويصنع البهجة، إعلام يصف الحاجة الإنسانية دون أن يصنف أصحابها، هدفه إغاثة الإنسان ومساعدته بعيداً عن لونه أو جنسه أو لغته أو دينه وانتماءه، وقبل ذلك الحفاظ على كرامته والحفاظ على خصوصيته وحقوقه وحريته في عين الاعتبار.
إن حاجة العمل الإنساني إلى إعلام مؤثر تستدعي الاستثمار الأمثل في هذا الحقل المهم لمناهضة الرسائل السلبية ومحاولات التشويه لرسالة العمل الإنساني النبيلة والسامية، وتوثيق العمل الإنساني الرائد، وصناعة ثقافة عمل إنساني راسخة في نفوس الناس، وهذا الأمر لن يتحقّق ما لم يتم مواكبة التطورات التقنية والفنية والمنصات الحديثة وتطوير الخبرات الإعلامية وتشكيل علاقات قوية مع المؤسسات والمنصات الإعلامية المختلفة وتنفيذ برامج مشتركة تخدم العمل الإنساني، وتسخير الموارد الكافية لبناء إعلام إنساني متوازن ومؤثر.
وهنا مسؤولية أخلاقية وأدبية تضطلع بها مؤسسات ومنصات الإعلام المختلفة تجاه العمل الخيري والإنساني والقائمين عليه، من خلال تغطية البرامج والمشاريع الإنسانية والخيرية والتنموية وحشد وتأييد ومناصرة المجتمعات لها لضمان تحقيق التضامن الإنساني والسلم المجتمعي الذي تتركه هذه البرامج والمشاريع على حياة الفئات الأكثر هشاشة وضعفاً بسبب الأزمات والطوارئ والكوارث والنزاعات.
كما أن مؤسسات الإعلام المختلفة معنية بالمساهمة الفاعلة في حماية هذا القطاع الخيري والتنموي من أي مظاهر للاستغلال أو التكسّب غير المشروع، واعتبار هذا القطاع صمام أمان للمجتمعات وهمزة اتصال انساني بين مختلف الشعوب.
نقطة أخيرة يجب ألّا يغفل عنها من يعمل في مجال الإعلام الإنساني وهي أن الإعلام في هذا القطاع الحساس بحاجة لتوازن في الصورة والمضمون، ومن المهم التركيز على جودة العمل وتعظيم المنافع التي يحقّقها العمل الإنساني وتوسيع جغرافية الفائدة للمستفيدين، وعندما تتوازن جودة العمل الإنساني مع جودة الإعلام الإنساني يتحقق الأثر الطيب والسمعة الحسنة.
ولا أنسى في هذه المناسبة أن أعبر عن فخر دولة قطر وريادتها في قطاع العمل الإنساني وعلى رأسها جمعية قطر الخيرية العريقة والتي وصل أثرها الإنساني إلى معظم بقاع العالم لتشكل حلقة وصل لتقديم العطاء القطري المُنظم في الإغاثة والتنمية والرعاية والصحة والأمن الغذائي والتعليم والتمكين الاقتصادي وغيرها من مختلف المجالات الإنسانية
المقال منشور في العدد 28 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة