تعدّ القصص والروايات من أجمل الوسائل التي يمكن أن تشد أنظار الأطفال واليافعين لجاذبيتها، لذا ينبغي على المهتمين بالعمل العمل الإنساني استثمارها من أجل غرس قيم العمل الإنساني والتوعية بأهميته على كافة المستويات.
وتعتبر ” الفتى الجالس في آخر الصف” وهي رواية لليافعين صدرت خلال هذا العام ( 2022 ) عن دار كلمات ، من تأليف أونجالي ك. رؤوف، ورسوم بيبا كورنيك، وترجمة شادية بخعازي. إضافة في مجالها لجملة أسباب:
ـ من حيث الموضوع: تعالج الرواية من خلال الطفل أحمد ( سوري) الذي التحق بمدرسة ابتدائية بريطانية قضية إنسانية حساسة تتعلق بالأطفال اللاجئين والأسر اللاجئة وما يعتريها من مخاطر ترتبط برحلة الوصول للبلاد الأوربية، واحتمالات حصول وفيات خلال هذه الرحلة أو تشتت لشمل العائلة وانفصال الأولاد الصغار عنها، فضلا عن التعرض لتحديات قبول دمج المهاجرين من البيئات المختلفة عن البيئة الغربية ( من حيث اللون والعرق والهوية الثقافية )، والتنمر المرتبط بذلك في المدارس والمجتمع عموما. والمعالجة حاولت أن تكون حيادية وواقعية إلى حد كبير.
لفت الانتباه
ـ القصة أساسا مكتوبة باللغة الإنجليزية وموجهة للجمهور البريطاني والأوروبي وتعالج التعامل الرسمي مع ملف اللاجئين (ومنها إقفال الحدود ومنع استقبال اللاجئين)، والتعامل الشعبي والعنصرية الموجودة ضد اللاجئين من قبل بعض الشرائح، لكنّها عموما تسهم في توعية اليافعين والشباب في أوروبا بالقضايا الإنسانية العالمية، وتلفت انتباههم إلى أهمية أن يسهم الجميع بواجبهم الإنساني تجاه اللاجئين بسبب الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية، وخصوصا الأطفال على اعتبار أنهم الأكثر تأثّرا بها .
ويمكن لليافعين العرب التعرّف من خلال النسخة المترجمة التي بين يدينا على التفكير الغربي في التعامل مع ملف ذي أبعاد إنسانية وأخلاقية وسياسية يهم البيئة المحيطة بهم بكل التناقضات الموجودة فيه، ووجهات النظر المختلفة تجاهه.
غموض ومغامرات
ـ رغم أن فكرة الرواية وأحداثها في البداية كانت عادية إلا أنها استطاعت أن تشدنا عبر الغموض الذي رافق الجزء الأول والمغامرات المرتبطة بلمّ شمل أحمد بأسرته وتصاعد الحبكة (بما فيها إيصال الرسالة للقصر الملكي ) في الجزء الثاني، وجعلتنا نتابع حتى آخر سطر فيها، ونعجب بأصدقاء أحمد ( أليكسا ومايكل وطوم وجوزي) الذين تعاطفوا معه في البحث عن أسرته التي فرّقتها رحلة اللجوء ثم انتزعوا حقّ اللجوء لأبويه من الجهة المعنية بالهجرة لتكون نهاية الرواية سعيدة بعد تحديات صعبة حبس معها القارئ أنفاسه.
ـ اللغة المستخدمة سلسة وشيقة وقريبة بالتفاصيل التي تضمنتها من اليافعين
ـ من العوامل التي ساعدت على نجاح القصة أن الكاتبة بريطانية من أصول آسيوية مسلمة فهي تعيش في الغرب وتعرف التناقضات المختلفة في التعامل مع ملفات اللاجئين والمهاجرين، وفضلا عن ذلك فإنها شابّة ( أقرب إلى عوالم اليافعين ) وناشطة في العمل التطوعي والإنساني وعلى احتكاك مع شريحة اللاجئين ، فقد زارت مخيماتهم واستمعت كثيرا لقصص أطفالهم، وكانت قصة الطفل الكردي السوري ألان الذي التقطت صورة لجثته قرب السواحل التركية عام 2015 هي المحرّك الرئيس لها للاهتمام بقضية اللاجئين، ثم التفكير بكتابة هذه الرواية ـ كما ذكرت ـ .
إضافات مهمّة
ـ من الإضافات المهمة في هذا الكتاب الصفحات الأخيرة فيه والتي تتميّز بما يلي: تقديم معلومات وإحصائيات إثرائية للطفل عن اللاجئين في العالم، طرح تساؤلات على اليافعين والشباب من شأنها أن تفتح الأفق أمامهم للاهتمام بأقرانهم اللاجئين وبالقضايا الإنسانية كواجب أخلاقي ( مثل: إذا كان عليك الهرب من الحرب وترك منزلك ومدرستك وراءك إلى الأبد، فماهي الأشياء الثلاثة التي ستأخذها معك؟ إذا كان بإمكانك إعطاء طفل لاجئ هدية واحدة لمساعدته على الشعور بالسعادة فماذا ستكون؟).
ـ من الإضافات الأخرى للكتاب أيضا أن الكاتبة قررت أن تخصص جزءا من أرباح الكتاب لإنقاذ اللاجئين وتقديم المساعدات لهم كالطعام والملابس الدافئة والهدايا، وهي لفتة جميلة كريمة.
اهتمام أكبر للغات الأخرى
ثمة اهتمام عالمي متزايد في القصص والروايات الموجّهة لليافعين والشباب والتي تعالج القضايا والموضوعات ذات البعد الإنساني في الفترات الأخيرة بقوالب أدبية جذابة ومشوقة، نكاد نفتقده كمّا ونوعا ( إبداعا) فيما يصدر عن دور النشر في عالمنا العربي ـ للأسف ـ ، فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدرت دار كلمات عام 2021 أيضا رواية مترجمة عن اللغة الإنجليزية بعنوان ( الفتى 87) للكاتبة سارة كروسان التي تحكي قصة الفتى شيف من إحدى دول افريقيا والذي كان يحبّ الشطرنج ومادة الرياضيات والتسابق مع أعزّ صديق له، من المدرسة إلى البيت، وذات يوم يتعرّض بيته للمداهمة، فيدرك أنه لم يعد في أمان، ويجبر على ترك والدته وأخته ليبدأ رحلة هروب خطيرة إلى بلاد جديدة، وعبور محفوف بالمخاطر برّاً وبحراً، وصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، ويواجه خلالها القسوة والعطف بعيدا عن بلاده والأشخاص الذين يحبّهم.
المقال منشور في العدد 28 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة