في غمضة عين.. من عامل إغاثة إلى مكابدة آلام الفقد والنزوح!

2023-10-09

الزمن: ليلة السادس من فبراير 2023

الحدث: أمر مروّع يدخل الخوف والهلع على قلوب الكثير من البشر خصوصا في الجنوب التركي والشمال السوري فقد استيقظوا من سباتهم على وقع اهتزاز عنيف جعل الأرض تميد من تحتهم (زلزال بقوة 7,8 على مقياس ريختر) ليخلف أكثر من 100 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من البيوت المهدمة.. نجا من نجا منهم ليروي ما عاش من أهوال، ومات من قدر الله له الوفاة حينها لتنطوي معه حكايته.

في الشمال السوري وفي ظل غياب دولة هناك كانت الآلام أشد والآثار أعمق، فقد تهدّم ما بقي للسكان من بيوتٍ نجت من لهيب الحرب، واتسعت فيها رقعة الخيام والمخيمات، مضيفة حزنًا جديدًا إلى قصصهم المأساوية، ومرارة نزوحٍ جديدة في سِفر معاناتهم الممتدة والمتسعة.

من هذه القصص المؤلمة قصة المهندس أحمد جاسم، الذي تحول بين لحظة وأخرى من عامل إغاثة يعمل مشرفا على مشاريع إيواء قطر الخيرية في الشمال السوري إلى متضرر من الزلزال يفقد أقرب الناس إليه ونازح بآن واحد.

يروي المهندس أحمد ما حدث ل ” غراس” فيقول:

“في تمام الساعة الرابعة والعشرين دقيقة من صباح اليوم السادس من فبراير ضرب زلزال عنيف مدينتي مدينة سلقين وأنا نائم مع أسرتي، لتوقظني زوجتي وتخبرني قائلة يبدو أنها هزّة أرضية، خذ الأولاد واخرج بسرعة ريثما أرتدي حجابي. وأنا أركض رأيت أمي العاجزة فسألتني عما يجري فأخبرتها على عجل أنه زلزال، وفي هذه اللحظة، بدأت أسمع صوت الأبنية تتهدم، والغبار يتصاعد من حولي في كل مكان، وأن أركض بأولادي خارجا حتى وصلت للشارع.

وبعد أن هدأت الأرض، وبدأ الغبار بالانقشاع التفتُ خلفي لأجد منزلي قد تهدم مطبقا بعضه فوق بعض، صرخت باسم أمي وزوجتي وابنتي ريان، ولكن دون مجيب! ..بقيت أصرخ حتى الساعة الخامسة صباحًا لأدركَ أنهم ما يزالون تحت الأنقاض.

وعندما استرجعت ما حصل تيقنت أنه لو لم توقظني زوجتي ولو سرعة خروجي من المنزل

لما كنت استطعت وإياهم النجاة، لأن كل ذلك حصل ربما في غضون ١٠ ثوان فقط!

بعدها وفي ظل البرد القارس والمطر، أصبح همّي الأول أن أجد لأطفالي الذين نجوا مأوى آمنا، فأسرعت بالذهاب إلى بيت أحد الأقارب في القرية المجاورة.

وفي الطريق؛ رأيت معظم المنازل قد تهدمت بالكامل، فلا يوجد بناء واحد سليم قي مدينة سلقين وحتى القرية التي قصدتها، أدركت أن زوجتي وأمي وابنتي قد فارقن الحياة وأنّي قد فقدتهم إلى الأبد.

عدت إلى بيتي بعد أن تركت أطفالي عند أقاربي أبحث بين الأنقاض عن جثثهم، وبعد جهد جهيد وبمساعدة من الدفاع المدني، تمكنت من إخراج جثة أمي وجثة طفلتي رحمهما الله.

وفي الساعة العاشرة صباحا وصل بعض العاملين من مكتب إدلب في قطر الخيرية للاطمئنان عليّ، فقد خرجت من المنزل ببجامتي فقط بدون هاتف أو أشياء شخصية، ليجدونني قد خرجت سالما أنا وثلاثةً من أطفالي ـ ولله الحمد ـ ، وفقدت زوجتي وأمي وطفلتي وبيتي وكل ما فيه.

وبعد أربعة أيامٍ وجهدٍ متواصل من الدفاع المدني، استطعت الوصول إلى جثة زوجتي رحمها الله، بعد رفع أنقاض المبنى بالكامل تقريبا.

ولأن مهمتي إنسانية بالمقام الأول وتحتاج مني الإسهام في إغاثة المتضررين وأسرهم فكان لابد لي من لملمة جراحي بسرعة وتجاوز مصابي الشخصي لانتقل مرة أخرى للعمل في الميدان، ومدّ يد العون للمتأثرين من الزلزال، ولأكون ضمن فرق قطر الخيرية الإغاثية ومعها قدوة للآخرين، وفي الصفوف الأولى للقيام بواجب الاستجابة الإنسانية”.

المقال منشور في العدد 29 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق