مشاهد من كارثة الفيضانات لم تغادر ذاكرتي

2024-08-24

اسمي محمد قاسم من بلدة خيبرو الصغيرة في منطقة سانغار بإقليم السند وهي واحدة من أكثر المناطق تضرراً من الفيضانات في الإقليم. أعمل منذ 2012 كمسؤول مشاريع تنموية وقائد للفريق بمكتب قطر الخيرية بمقاطعة خيربور في السند، وهنا أدون مشاهداتي التي لا تنسى عن الفيضانات المدمرة التي شهدها الإقليم في أغسطس من العام الماضي 2022 وخصوصا ما يخص منطقتي التي أنتمي إليها.



كنت أتابع استمرار هطول الأمطار الموسمية الغزيرة منذ يوليو 2022 من خلال وسائل الإعلام وعبر اجتماعات المكتب، وكان لديّ تصميم على الإسهام في مواجهة الدمار الذي أحدثته الفيضانات التي تتصاعد وتيرتها وأفكر بما ينبغي عمله بحكم وظيفتي واهتمامي، ولم أكن أعلم  سوى القليل عن التحديات التي تنتظرني سواء في المنزل أو في العمل.

واجب المواساة

في غضون أسبوع واحد من نزول الأمطار فقط أصبح الوصول إلى مناطقنا الميدانية مستحيلاً، لذا اضطررت كقائد للفريق في مكتب قطر الخيرية بخيربور   إلى إيقاف جميع المشاريع التنموية التي ننفذها في المنطقة وتحويل التركيز إلى التنسيق مع المكاتب الحكومية وإعداد التقييم الميداني للوضع الحالي في المناطق التي وصلت إليها الفيضانات. فقد غمرت المياه كل أنحاء المنطقة وكان الناس يتدافعون للوصول إلى الملاجئ الحكومية المؤقتة أو الأراضي المرتفعة على جوانب الطرق. لقد قدمنا كل ما لدينا من دعم ومساندة لنقل الناس إلى المواقع الأكثر أمانًا.

لحسن الحظ كانت قطر الخيرية واحدة من أوائل المنظمات التي استجابت إنسانيا لكارثة الفيضانات وتحديدا في منطقة خيربور، وتم على الفور توفير الخيام العائلية وسلال المواد الغذائية الجافة ومستلزمات النظافة الشخصية.

كنت وبحكم عملي الميداني أشاهد على مر السنين الكثير من حالات الفقر والبؤس ومتضرري الأمراض والأوبئة. لكنها المرة الأولى التي شاهدت فيها الدمار والمعاناة والموت بالقرب مني وأثناء عملي.


مشاهد إنسانية من قلب كارثة الفيضانات لم تغادر ذاكرة محمد قاسم

وبشكل يومي بعد توزيعنا للمساعدات كنا نحضر الجنازات مع المتضررين من أفراد المجتمعات المحلية ونصلي على الضحايا. وكان من المحزن لي بشكل خاص مواساة الأمهات لفقدان أطفالهن بسبب الأمراض التي تنقلها المياه خلال وبعد الفيضانات والتي كان من الممكن الوقاية منها.

إنقاذ العالقين

عند انتقالنا على متن القوارب إلى مناطق نائية على حدود المنطقة لتوزيع المساعدات كنا نصادف محاصرين في المناطق ممن لم يتركوا منازلهم مع بدء الفيضانات فكان واجبنا العمل على مساعدتهم وتأمين سلامتهم.

التقيت ذات مرة بمجموعة من الرجال على أسطح المنازل ممن تقطعت بهم السبل وسط المياه، أتذكر أنهم بدأوا بالصراخ والتلويح بطلب المساعدة بينما كنا نتحرك نحوهم، وعند وصولنا إليهم، اكتشفنا أن معهم كبار السن الذين أنهكهم الجوع وكان علينا إعادتهم معنا على متن قاربنا الذي جئنا به.

بعد مرور الأسبوع الثاني على عمليات الاستجابة الطارئة للإغاثة التي قمنا بها اكتشفت أن المياه دخلت مدينتي سنجار أيضًا.. لكن لحسن الحظ فإنها لم تدخل كثيرا إلى قريتي لكن العديد من أقاربي في المنطقة اضطروا إلى الانتقال إلى مواقع أكثر أمانًا. كان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي، ففي النهار كنت أساعد المستفيدين كعامل إغاثة، وفي الليل كنت أعزي عائلتي عبر مكالمات هاتفية طويلة. لم تحدث أي إصابات في عائلتي، لكننا فقدنا محاصيلنا بالكامل، والتي خططنا لحفظها واستخدامها للعام المقبل بأكمله. ومرة أخرى لا يمكن مقارنة هذه الخسارة بمحنة الناس في مركز عملي، حيث كان الحصول على مياه الشرب سلعة ثمينة للغاية.


مشاهد إنسانية من قلب كارثة الفيضانات لم تغادر ذاكرة محمد قاسم

سعادة وفخر

لقد مر عام على كارثة الفيضانات ولكني ما زلت أجد نفسي غير قادر على محو صور الدمار والمعاناة التي شهدتها من ذاكرتي. وبنفس الوقت أشعر بالفخر والسعادة والرضا لأنني كنت من أوائل الذين غادروا منطقتهم للإسهام في مساعدة المتضررين.

إنها نعمة كبيرة من المولى عز وجل أن يجعلك الله وسيلة في وصول الخير إلى المستحقين الذين تركوا منازلهم ومدراسهم ومصدر رزقهم وأصبحوا ينتظرون خيمة يعيشون فيها مع أسرهم واولادهم و لقمة عيش يسدون به رمقهم وجوعهم.  

مشاهد إنسانية من قلب كارثة الفيضانات لم تغادر ذاكرة محمد قاسم

للأسف بسبب جغرافية دولة باكستان والتغير المناخي الذي يهز العالم بأكمله فإن هذا البلد يتعرض للعديد من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والجفاف وانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها، لذلك فإن ما أوكد عليه كعامل في المجال الإنساني أهمية بناء ثقافة السلامة والأمن والقدرة على مواجهة المخاطر والإنذار المبكر للحدّ من آثار المخاطر لأنه يساعد سكان المجتمعات المتأثرة بذلك في تعزيز قدراتهم حول كيفية التأهب والاستجابة للكوارث التي قد تحدث مستقبلا ـ  لا قدر الله  ـ وكيفية مواجهة مخاطرها والتخفيف من آثارها.

مجلة غراس, العدد 30

المقال منشور في العدد 30 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق