تحديات كبيرة واجهت الشرق الأوسط عام 2023

2024-05-13

قال السيد أحمد مرعي رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (اوتشا) بالدوحة إن التنسيق والتعاون والشراكات والتحالفات بين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية أمر أساسي لتحقيق استجابة إنسانية فعّالة ومؤثرة، لاسيما في سياق الأزمات الممتدة والكوارث المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكد في حوار خاص أجرته مجلة ” غراس” معه على أن الجهات المانحة والمنظمات الدولية مطالبة باستكشاف وتنفيذ آليات تمويل مرنة لتحقيق استجابة سريعة وقابلة للتكيّف مع الأزمات الناشئة.

وأوضح السيد مرعي أن التزام قطر الخيرية بالتنمية المستدامة يؤهلها للعب دور محوري في مرحلتي التعافي وإعادة الإعمار، منوها بالتعاون المتنامي بينها وبين الاوتشا خصوصا على ضوء مذكرة تفاهم مهمة من المنتظر توقيعها قريبا، كما تطرق الحوار لمحاور أخرى وفيما يلي التفاصيل:     


 شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2023 أزمات وكوارث كبيرة، زلازل وفيضانات ونزاعات.. ما تأثير ذلك وانعكاساته على المجتمعات وبنيتها التحتية؟


في عام 2023، واجهت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سلسلة من التحديات الكبيرة، بما في ذلك الأزمات الممتدة والكوارث والزلازل والفيضانات، ومؤخرا الصراع في غزة. وكان لهذه الأحداث آثار عميقة على المجتمعات.

أولاً، أدت هذه الأزمات إلى إضعاف قدرة المجتمعات وجعلها عرضة للاحتياجات الإنسانية المتعددة. وكثيراً ما تتعطل الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم ما يؤثر على رفاهية الناس وآفاقهم المستقبلية. وينزح الناس من منازلهم بشكل متزايد أو يعبرون الحدود كلاجئين، الأمر الذي يفرض أعباء على المجتمعات المضيفة ويؤدي إلى زيادة التنافس على الموارد المحدودة. وقد أدت الكوارث الطبيعية، إلى تفاقم نقاط الضعف القائمة وتعرضت البنية التحتية المنهكة أصلا – مثل الطرق والمدارس – لمزيد من الضرر، ما عرقل الوصول إلى الخدمات الأساسية.

 للصراعات في المنطقة آثار عميقة ودائمة على المجتمعات وبنيتها التحتية، فقد أصبح النزوح وتدمير المنازل والبنية التحتية الحيوية وتعطيل الخدمات الأساسية من السمات البارزة للمناطق المتضررة من النزاع، وأن طبيعة هذه الصراعات التي طال أمدها تعرقل جهود التعافي وإعادة بناء هذه المجتمعات.

واستجابة لهذه التحديات، يواصل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) العمل بشكل وثيق مع الشركاء وغيرهم لتنسيق وتقديم المساعدة الإنسانية الفعالة. وتتطلب معالجة التأثيرات المتنوعة للأزمات والكوارث اتباع نهج شامل يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المحددة للمجتمعات المتضررة، مع التركيز على بناء القدرة على الصمود واستعادة الخدمات الأساسية ودعم جهود التعافي.

هدفنا هو ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وندعو المجتمع الدولي لزيادة الدعم لتخفيف الآثار المباشرة وطويلة الأجل على المجتمعات والبنية التحتية فيها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


هل سيرتب هذا الواقع بكل تداعياته مسؤوليات ومهام إضافية على المنظمات الأممية خاصة الأوتشا؟


أصبح دور الأمم المتحدة، وخاصة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، حاسما بشكل متزايد لمواجهة التحديات الإنسانية المتطورة والمعقدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ووضعت هذه التحديات المتعددة مسؤوليات إضافية على عاتق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة مما تطلب القيام بعدة خطوات منها:

أولا التنسيق وتخطيط الاستجابة: مع تعقيد الأزمات التي تتطلب استجابة جيدة التنظيم من مختلف الجهات الإنسانية الفاعلة، يضمن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرها لتجنب الازدواجية وتحديد الثغرات وتقديم المساعدة الفعالة وفي الوقت المناسب.

تعبئة الموارد: غالباً ما تؤدي الأزمات المتصاعدة إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية، مما يستلزم موارد إضافية وهنا يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بعملية تعبئة التمويل والموارد، والدعوة لدعم الجهات المانحة وضمان تمويل الاستجابة الإنسانية بشكل كافٍ. ويتضمن ذلك التعامل مع الشركاء الدوليين والحكومات والجهات المانحة لتأمين الدعم المالي للبرامج الإنسانية.

المناصرة والدبلوماسية الإنسانية: يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالعمل على زيادة الوعي بالسياق الإنساني، ودعم المبادئ الإنسانية وتعزيز الدبلوماسية الإنسانية، ودعم حماية الفئات السكانية الضعيفة.

بناء القدرات والتأهب: الأزمات متحركة وتتطلب تدابير مستمرة لبناء القدرات والتأهب، وهنا تعمل منظمة OC على تعزيز قدرتها على الاستجابة لحالات الطوارئ بشكل فعال من خلال التدريب وتبادل المعرفة ووضع خطط تأهب قوية للتخفيف من تأثير الأزمات المستقبلية.

البيانات والتحليل: يوفر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بيانات وتحليلات مهمة لإرشاد عملية صنع القرار واستراتيجيات الاستجابة. ومن خلال رصد وتحليل الوضع الإنساني، يساعد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تحديد الاتجاهات وتقييم الاحتياجات وتعديل جهود الاستجابة وفقًا لذلك. وهذا يضمن اتباع نهج أكثر استهدافًا وقائمًا على الأدلة للمساعدة الإنسانية.

النهج التعاوني الشامل


برأيك كيف يمكن للمنظمات الدولية والمحلية أن يكون دورها أكثر تأثيرا لمواجهة أضرار ومخاطر هذه الكوارث والأزمات التي عصفت بالمنطقة خصوصا في هذا العام؟


تتطلب معالجة الأضرار والمخاطر الناجمة عن الأزمات والكوارث المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضافر جهود المنظمات الدولية والمحلية. لقد شهدنا هذا العام أحداثا كبرى – مثل الزلازل والفيضانات والصراعات – مما ألقى بمسؤوليات إضافية على عاتق الأمم المتحدة، وخاصة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. من وجهة نظري كرئيس لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في قطر، أعتقد أن النهج التعاوني والشامل أمر بالغ الأهمية للاستجابة الفعالة لتخفيف التأثيرات على المجتمعات وبنيتها التحتية.

ويعتبر تعزيز التنسيق والتعاون بين المنظمات الدولية والمحلية أمرا بالغ الأهمية من خلال تحسين الاتصال وتبادل المعلومات وتنسيق الجهود لتجنب الازدواجية وضمان استجابة أكثر تماسكا. كما تساهم اجتماعات التنسيق المشتركة والمنتظمة ومنصات تبادل المعلومات وعمليات التخطيط الموحدة في تحقيق استجابة شاملة أكثر فعالية.

كما أن الاستثمار في القدرات المحلية أمر مهم أيضا لذلك ينبغي على المنظمات الدولية إعطاء الأولوية لبناء قدرات الشركاء والمؤسسات المحلية من خلال التدريب وتبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا وهذا يمكّن المنظمات المحلية من قيادة الاستجابة للكوارث والتأهب لها، ما يضمن استجابة أكثر استدامة وملاءمة للسياق.

إضافة لذلك فإن تمكين المجتمعات من المشاركة بنشاط في تعزيز قدرتها على الصمود أمر أساسي لذلك ينبغي للمنظمات الدولية والمحلية التعاون لإشراك المجتمعات في أنشطة الحد من المخاطر ومبادرات الاستعداد للكوارث وحملات التوعية وهذا يعزز الشعور بالملكية والمرونة.

ومن الممكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيات المبتكرة – مثل الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد وتحليل البيانات – إلى تعزيز كفاءة وفعالية الاستجابة للكوارث بشكل كبير. ويمكن للتعاون بين المنظمات الدولية والمحلية أن يسهل اعتماد التكنولوجيات المتقدمة لأنظمة الإنذار المبكر، وتقييم الأضرار، وتخصيص الموارد.

وينبغي للجهات المانحة والمنظمات الدولية استكشاف وتنفيذ آليات تمويل مرنة لتحقيق استجابة سريعة وقابلة للتكيف للأزمات الناشئة. ويشمل ذلك التمويل المتعدد السنوات، والأموال المجمعة، والتمويل الطارئ للنشر السريع للموارد على أساس الاحتياجات المتطورة على أرض الواقع.

ويمكن للمنظمات الدولية الاستفادة من نفوذها للدعوة إلى سياسات شاملة على المستويين المحلي والدولي. وينطوي ذلك على تعزيز السياسات التي تعطي الأولوية للفئات السكانية الضعيفة، وتدعم حقوق الإنسان وتعالج الأسباب الجذرية للأزمات.

حجر الزاوية


إلى أي مدى يمكن أن يلعب التنسيق والتعاون المشترك والشراكات والتحالفات الدولية والأممية والمحلية دورا أكثر فعالية في هذا المجال؟


يعد التنسيق والتعاون والشراكات والتحالفات بين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية أمرًا محوريًا لتحقيق استجابة إنسانية فعالة ومؤثرة. وبوصفي رئيسًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في قطر، فإنني أدرك أهمية هذه الجهود التعاونية، لا سيما في سياق الأزمات والكوارث المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

التنسيق هو حجر الزاوية في الاستجابة الإنسانية الناجحة. فهو يضمن تبسيط جهود مختلف المنظمات، وتجنب ازدواجية الأنشطة وتعظيم استخدام الموارد المحدودة. ويشكل التخطيط المنسق والتقييمات المشتركة وتبادل المعلومات بانتظام عناصر أساسية في هذه العملية.

والتعاون بين المنظمات، الدولية والمحلية، أمر بالغ الأهمية بنفس القدر. ومن خلال تجميع الخبرات والموارد والقدرات، تستطيع المنظمات معالجة التحديات المتعددة الأوجه التي تطرحها الأزمات بشكل أكثر شمولاً. ويعزز هذا النهج التعاوني التآزر الذي يعزز التأثير الشامل للتدخلات الإنسانية.

تعد الشراكات مع المنظمات المحلية مفيدة في ضمان الاستجابات الملائمة والمستدامة للسياق، حيث تمتلك المنظمات المحلية معرفة لا تقدر بثمن بشأن المجتمعات التي تخدمها، والشراكة معها تعزز الحساسية الثقافية وفعالية التدخلات. علاوة على ذلك، فإن تمكين الشركاء المحليين يعزز القدرة الشاملة للمجتمعات على الصمود.

تعمل التحالفات بين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية على تضخيم التأثير الجماعي للمبادرات الإنسانية. وتمكن هذه التحالفات من الاستفادة من نقاط القوة والموارد لدى كل منظمة، مما يؤدي إلى استجابة أكثر قوة وقدرة على التكيف مع التحديات الناشئة. ومن خلال التحالفات الإستراتيجية، يمكن للمؤسسات مشاركة أفضل الممارسات وتعزيز الابتكار والدعوة بشكل جماعي للتغييرات المنهجية التي تعالج الأسباب الجذرية للأزمات.

قد شهدنا في المنطقة النتائج الإيجابية للتنسيق والتعاون والشراكات والتحالفات القوية. وقد سهّل التعاون بين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وقطر الخيرية والشركاء المحليين الآخرين الاستجابة بشكل أكثر كفاءة واستهدافًا للاحتياجات الإنسانية. ومن خلال العمل معًا، تمكنا من تنفيذ مشاريع تلبي الاحتياجات العاجلة بينما نساهم أيضًا في جهود بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل.

تعبئة الموارد


تنشط المؤسسات والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية بفاعلية أكثر في مرحلة الاستجابة العاجلة بينما تكون أبطأ في مراحل الإنعاش وإعادة الإعمار، برأيكم كيف يمكن تفعيل المرحلتين الثانية والثالثة نظرا لحجم الدمار الذي لحق البنى التحتية في الدول المتضررة خلال عام 2023؟


في مواجهة تحديات التعافي وإعادة الإعمار بعد الأزمات، من المهم الاعتراف بتعقيد هذه المراحل والحاجة إلى جهود مستدامة وتعاونية. غالبًا ما تتطلب مراحل التعافي وإعادة الإعمار جداول زمنية أطول بسبب الطبيعة المعقدة لإعادة بناء البنية التحتية واستعادة المجتمعات. تعد الاستجابة السريعة الأولية أمرًا حيويًا لإنقاذ الأرواح، لكن المراحل اللاحقة تتطلب تخطيطًا دقيقًا وتعبئة الموارد وفهمًا شاملاً للاحتياجات الفريدة لكل مجتمع متضرر.

وأود أن أؤكد على الحاجة إلى استمرارية الدعم الذي ينتقل بسلاسة من الاستجابة الفورية إلى التعافي وإعادة الإعمار على المدى الطويل. وينطوي ذلك على المشاركة المستمرة مع المجتمعات المتضررة لفهم احتياجاتها وتطلعاتها المتطورة. إن التعاون مع المنظمات المحلية، التي تمتلك معرفة لا تقدر بثمن بالمناطق المتضررة، له دور فعال في تسريع عملية التعافي.

وتشكل تعبئة الموارد جانبا حاسما في مرحلتي الإنعاش وإعادة الإعمار، مما يستلزم استمرار الدعم من المجتمع الدولي. ومن الممكن أن تجتذب الابتكارات في آليات التمويل، مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الاستثمارات لمشاريع البنية التحتية واسعة النطاق. كما يعد استخدام التكنولوجيا والأساليب القائمة على البيانات والتخطيط التكيفي المرن عناصر أساسية لتعزيز كفاءة وفعالية جهود التعافي.

إن التزام قطر الخيرية بالتنمية المستدامة يؤهلها للعب دور محوري في دعم مرحلتي التعافي وإعادة الإعمار. وفي مواجهة تحديات التعافي وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الأزمات، أود أن أؤكد على أهمية مذكرة التفاهم المقبلة المقرر توقيعها بين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وقطر الخيرية. وفي هذه الاتفاقية التاريخية، التي سيتم توقيعها على هامش إطلاق النظرة العامة الإنسانية العالمية لعام 2024 من منصة منتدى الدوحة في 11 ديسمبر 2023، التزمت قطر الخيرية بتقديم تمويل سخي بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لعام 2024، مما يمثل تعاونًا تحويليًا.

مجلة غراس, العدد 30

المقال منشور في العدد 30 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.