يمر شتاء آخر على أهل غزّة فيثقل كواهلهم بمزيد من البؤس والمعاناة الإنسانية، نظرا لعدم وجود ملاجئ آمنة يحتمون بها، أو بطانيات وملابس شتوية تدفئ أبدانهم، فضلا عن الغذاء الكافي الذي يقيم أَوَدهم.. ويرتبط ذلك بفقدانهم كلّ شيء نتيجة ترك بيوتهم ونزوحهم المتكرر، وعدم السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إليهم إلا نادرا.
جدول المحتويات
شتاء آخر في غزّة ماذا يعني في ظلّ الظروف الراهنة؟
الشتاء في غزّة يعني أن الناس لن يموتوا فقط بسبب الغارات الجوية أو الأمراض أو الجوع، بل إنّ المزيد سيموتون وهم يرتجفون من البرد خصوصا الفئات الأكثر ضعفا بمن فيهم كبار السن والأطفال” .. هذه خلاصة تحذيرات منظمات دولية وفي مقدمتهم ” الأونروا” ما لم تتوفر احتياجات الشتاء العاجلة لهم.
وسبقت هذه التحذيرات تحذيرات أخرى من احتمال مجاعة وشيكة في القطاع، فقد أعربت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” الأونروا”، في شهر نوفمبر الماضي عن تخوفها من وقوع مجاعة، وهو ما يزيد الأوضاع المأساوية تعقيدا.
ويرتبط ذلك بالمساعدات الشحيحة التي يسمح لها بدخول غزّة، وهي بمتوسط يزيد قليلا عن 30 شاحنة يوميا، بما يمثل نحو 6% فقط من الاحتياجات اليومية للفلسطينيين فقط.
أبرز المخاطر والتحديات
لقد رصدت تقارير المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الأوضاع بعد اشتداد البرد خلال هذا الموسم وتأثيرات هطول الأمطار على النازحين قبل عدة أيام، حيث عصفت الرياح بخيامهم، وغمرت مياه البحر خيام النازحين التي أقاموها على الشاطئ مباشرة وسط وجنوب القطاع، ما أدى لغرقها.
وقد وثق الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أطفالا في غزة، وهم يسيرون حفاة في شوارع مليئة بالحطام ومياه الصرف الصحي بسبب نقص الأحذية، ويرتدون ملابس خفيفة بالية وسط الأمطار.
وحذرت من أن نقص الأحذية يزيد من تعرض الأطفال للإصابات والجروح، مما يجعلهم عرضة للعدوى في بيئة تفتقر إلى الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار. ونوّه إلى أن الأهالي يلجؤون إلى حلول مؤقتة غير كافية وغير آمنة، مثل صناعة الأحذية لأطفالهم من الخشب والبلاستيك. كما يضطر الغزّيون بسبب شحّ الملابس إلى ترقيع الملابس البالية أو حياكتها من بطانيات.
أهم الاحتياجات الشتوية
وقد حذرت الأونروا من شح المساعدات الشتوية الأساسية لأهل غزة حاليا، مشددة على أن المواد الأساسية مثل أكياس الدقيق والمواد الغذائية تكاد تكون غير كافية، ونوهت بالنقص الحادّ في القماش المقوّى والنايلون اللذين يستخدمان لتوفير مأوى بدائي (خيام) للعائلات النازحة.
ولفتت إلى أن الأزمة لا تقتصر على الغذاء والمأوى، بل تمتد إلى الجانب الصحي مع النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية الضرورية. مؤكدة أنه” مع وجود قرابة مليون و800 ألف نازح يعيشون في مناطق مزدحمة وغير مؤهلة، يزداد خطر انتشار الأمراض بسبب الظروف المعيشية السيئة ونقص الخدمات الصحية”.
القيام بالواجب الإنساني.. التبرعات والحملات والمساعدات
وعطفا على ما سبق؛ ونظرا لأن تباشير الشتاء بدأت تلوح في الأفق متسببة في هطول الأمطار واشتداد قسوة البرد، بكل ما لذلك من تأثيرات سلبية على سكان القطاع الذين يعيشون أوضاعا معيشية غير طبيعية، في ظل النزوح وظروف الحرب وندرة الاحتياجات الأساسية فإنّ الواجب الإنساني والأخوي يستدعي من المنظمات الإغاثية أن تواصل تنظيم حملاتها وتقديم مساعداتها الشتوية في مجالات الغذاء (السلال الغذائية، الخبز )، والمأوى (الخيام، والأغطية البلاستيكية للخيام ، البطانيات والفرش ، الملابس الشتوية، الأحذية، والوقود ووسائل التدفئة)، والصحة (الدواء ، خدمات الصحة الأولية، حقائب الإسعافات الأولية)، والمياه والإصحاح (توفير عبوات المياه، صهاريج المياه، حقائب النظافة الشخصية)، كما يستدعي ما سبق أيضا من أهل الخير أفرادا ومؤسسات أن يواصلوا دعمهم ويستمروا في دعمهم لأهل غزة ولكل المتضررين من الأزمات والمحتاجين من أجل التخفيف من معاناتهم ومعاناة أفراد أسرهم.
ولا شك أنّ عدم الإبطاء في تقديم التبرعات للمنظمات الخيرية من شأنه توفير المساعدات لمستحقّيها بصورة أسرع، وتجنيب المستهدفين من المستفيدين أكبر ما يمكن من مخاطر الشتاء، وتوفير ظروف سلامة ووقاية أفضل لهم، وقديما قيل “الوقاية خير من العلاج” ..وعلى سبيل المثال لا الحصر فتوفير المأوى المناسب، والملابس الشتوية تجنّبهم الأمراض قدر الإمكان.
وليتذكر الموسرون أنّهم بحاجة لما يقدّمون ويتصدّقون به مثلما يحتاج ذلك مَن مسّهم الضرّ والأذى، مصداق ما ورد في الهديّ النبويّ الشريف: “الراحمون يرحمهم الرحمن”، “والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه” و”مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”.