كيف تتغير حياة النازحين في غزة مع حلول البرد؟

عبد الله المختار
2025-01-15

هل تصدق أن قصص الخيال قد تصبح واقعا، كقصة بائعة الكبريت لطفلةٍ فقيرة توقد كبريتا كانت تبيعه ليقيها من البرد، وتتصور جدتها تحتضنها لتدفئها، قبل أن تموت مبتسمة!! فكم من أطفال أبرياء سطروا في واقعهم آلاف القصص كهذه في غزة، رُضَّع يواجهون الموت بعد مقاساتهم للبرد الشديد، في حكايات تلخص مأساة الغزاويين.



حياة أطفال النازحين في موسم الشتاء 

المتغير المتجدد في قصص أطفال غزة هو غياب الدفء إلا من الخيال، وعزيمتهم الدؤوبة التي لم تغيِّب يوما دفءَ حلمهم بتحقيق المصير الذي بداخل كل غزاوي تمده سبعة أبحر من الأمل والحماس…

لم يترك العام الجديد لأهل غزة فرصة لتوديع عام آخرا عانوا فيه أشد الأمرين، من نزوح طال أمده.. وشتاء لم تتهيأ الظروف لاستقباله.. برد قارس وصراخ أطفال وتشريد آلاف الأسر.

آهٍ، هل سمعت صراخ أم فلسطينية لا تفارقها صورة ابنتها الرضيعة ذات 22 يوما فقط، وقد ماتت من البرد في إحدى خيم النازحين الفلسطينيين؟ صراخ يسمعه من به صمم…

أُمَّاهُ.. لقد أسمعت لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمـن تنادي، هل تعلم أنها ليست أما واحدة، بل هذا هو حال مآت الأمهات اللاتي فقدن فلذات أكبادهن بسبب انخفاض درجات الحرارة، وضعف مناعة الأطفال، وسوء التغذية مما جعلهم يتساقطون موتا على أبواب شتاء لا يرحم.

إحصائيات ووضع مأساوي  

فقد وصل مؤخرا عدد الأطفال الذين توفوا نتيجة البرد القارس في قطاع غزة إلى 8 أطفال حديثي الولادة، حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة الفلسطينية. ولك أن تتصور أن بعض الإحصائيات تتحدث عن 17 ألف طفل بين من فقد أبويه أو أحدهما، و350 طفلا معرضا للموت بسبب نقص الغذاء.

 الحديث عن مأساة أطفال غزة لا يترك فسحة للحديث عن معاناة ذويهم، إنها مأساة تختزل الحياة الاجتماعية للأسرة الغزاوية، فالأطفال يرون الموت بأم أعينهم.. برد قارس ينهش أجسادهم، مع غياب أي تدفئة في خيام مهترئة تجتاحها مياه الأمطار، وسط مقاومة من الأمهات اللاتي تحاولن عبثا احتضان أبنائهن، ولا تسأل عن حال الأم التي لم يعد يشغل بالها، وهي ترتجف من شدة البرد، في وقت تفتقر فيه إلى احتياجاتها الأساسية.. تواجه موجة قطبية شديدة البرودة، مع رياح عاصفة، أدت لاقتلاع مئات الخيام، وغرق عشرات المخيمات، تاركة سكانها يبيتون في العراء، وكأن لسان حالهم يقول:

كَيفَ الرَجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصاً // مِن بَعدِ ما أَنشَبنَ فِيَّ مَخـــــالِبا

وَنَصَبنَني غَرَضَ الرُماةِ تُصيبُني // مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُيوفِ مَضـارِبا

النازحون مع حلول البرد 

وما حال الطفل الغزاوي إلا صورة مصغرة لمجتمعه، فوفقا للعديد من العائلات الفلسطينية، المقيمة في مخيمات النزوح داخل غزة، فإن خيامهم، قد انتهى عمرها، وآذنت برحيلها، حيث تعرض معظمها للتآكل، حتى وصفها أحد مسؤولي وزارة الصحة الفلسطينية بأنها “ثلاجات الموت”. !!

(حالٌ مَتى عَلِمَ اِبنُ مَنصورٍ بِها // جاءَ الزَمانُ إِلَيَّ مِنها تائِبا).

موقف المجتمع الدولي تجاه النازحين 

حذرت الأمم المتحدة من انخفاض درجات الحرارة. واعتبرت حياة الأهالي في خطر يتفاقم فيه الوضع الإنساني وفقا لمسؤولي المنظمات الإنسانية الدولية.

موقف قطر الخيرية المشرف

وقد حاولت بعض الهيئات جاهدة انقاذ الموقف فجاءت تدخلات قطر الخيرية بين الفينة والأخرى ومنها على سبيل المثال حملة الشتاء لعام 2024-2025، تحت شعار “لين متى؟” حيث وزعت مساعدات إنسانية في غزة، شملت 6000 سلة غذائية، استفاد منها 30,000 شخص من أهل غزة، وهو جهد يذكر فيشكر لأهل الخير في قطر على دعمهم للمحتاجين أينما كانوا.

ختاما

 يظل الوضع المتكرر في قطاع غزة مع كل شتاء يحتاج إلى تدخلات جذرية من المجتمع الدولي والهيئات الإنسانية لتغيير حياة النازحين، مما يتطلب تضافر المزيد من الجهود، ولا نستطيع إلا أن نعترف بالجهود المبذولة، والمساعي الحميدة من بعض الخيرين، إلا أننا بحاجة لبذل المزيد من الجهد، حتى تخف المعاناة، وهو أمر يحتاج للمتابعة والصبر على الطريق الذي قد يطول، أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بحاجَتِهِ- ومُدْمِنِ القَرْعِ لِلأَبْوابِ أَنْ يَلِجا.

عبد الله المختار
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق