يستمد العمل الخيري والإنساني الذي تضطلع به المؤسسات الإنسانية القطرية حاليا قوته وفلسفته من المجتمع القطري بقيمه الدينية وثقافته الإنسانية العالمية، وموروثه الثقافي والاجتماعي، وتفاعله الحضاري مع المجتمع الإنساني، ومن تقاليده العريقة في نجدة المحتاج وإغاثة الملهوف، إضافة لدور الدولة في تنظيم وتطوير ودعم قطاع العمل الإنساني والتنموي في مراحل لاحقة، حيث سجل هذا العمل الأصيل مواقف مشرفة لدعم الأقربين داخل قطر، وفي مساندته للضعفاء وضحايا الأزمات الإنسانية عبر العالم.
قائمة المحتويات
تعريفات التراث أو الموروث الثقافي
التراث هو كل ما صار إلى الوارث، أو الموروث عن الأسلاف من أشياء ذات قيمة وسمات أصيلة، كما أنه مجموعة الآراء والأنماط، والقيم والعادات الحضارية المنتقلة من جيل إلى آخر.
والتراث بمفهومه الواسع هو خلاصة ما ورّثته الأجيال السالفة للأجيال الحالية، وما زال باقياً في حياة الحاضر. وهو يجسّد ثقافة الفرد، والجماعة، والمجتمع، والأمة، وقيمهم فهو المعبِّر الصادق عن الموروثات والإنجازات الفكرية، والثقافية، والحضارية على مستوى المجتمع المحلي وعلى مستوى الأمة بأسرها.
وينقسم الموروث الثقافي لقسمين مادي: كالمواقع الأثرية والنقوش والمخطوطات، وغير مادي: كالعادات والتقاليد والأمثال وأشكال التعبير الشفوي وغيرها.
تعريف العمل الخيري
هو كل مال أو جهد أو وقت، يُبذل من أجل نفع الناس وإسعادهم والتخفيف من معاناتهم، وله أهمية بالغة في القيام ببرامج التنمية بكل جوانبها، سواء من خلالالتدخلات الإنسانية وهي المشاريع والمساعدات الإغاثية التي تقدم في المناطق التي تتعرض للكوارث الطبيعية والأزمات والحروب والصراعات، أو البرامج والمشاريع التنموية لتنمية المجتمعات المحلية أو التضامن مع المجتمعات المحتاجة عبر العالم، أو الرعاية الاجتماعية للفئات التي لا تقدر على إعالة نفسها وكفالتهم كالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم.
العمل الخيري القطري.. البدايات المبكرة
عرف أهل قطر قيادة وشعبا منذ القدم بالتكافل الاجتماعي فيما بينهم ومدّ يد العون للآخرين، واشتهرت قطر بأنها “كعبة المضيوم” وهو شعار لنهج طريق أرسى قواعده مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله، معبراً فيه عن نصرته للمظلومين والمستجيرين لطلب الحماية في عهده، كما ورد في قصيدته:
ويلومني العذّال على مطلب العُلا
ويلومني من لا هواي هواه
وحْن كعبة المضيوم إلى ما وزابنا
نجيره ولا نرضى بغير رضاه
وقد كان الشيخ جاسم يوصف بأنه صاحب نخوة وشهامة، ومن أهل الفضل والمعرفة بالدين المبين، وله مَبرّات كثيرة على المسلمين.
تقاليد وعادات أصيلة
ومن أهم العادات في المجتمع القطري تبادل وتقاسم الطعام بين الجيران، وهي عادة خليجية قديمة تعرف بأسماء مختلفة وتعكس قيم التكافل والحب والود خصوصا في رمضان. وتعكس الأمثال الشعبية في حياة أهل قطر ارتباطهم بعمل الخير وحبهم له، ومن ذلك ” الي ما فيه خير تركه أخير”، و” والأجواد مثل بندر في وسط غبة” ويقال للثناء على صاحب الجود والنخوة عندما يقوم بعمل الواجب معك شخص آخر.
وعرفت شخصيات كثيرة منهم الوجهاء والتجار في قطر بفعل الخير تجاه الأقربين من خلال المساعدات المالية أو العينية أو تخصيص أوقاف من ممتلكاتهم لعمل الخير، ومن هؤلاء الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر الوجيه قاسم درويش فخرو (1898 في الدوحة – 1992م) الذي ساهم في كثير من الأعمال الخيرية في نواحي قطر كلها، كما شارك في دعم المؤسسات الخيرية في جميع أنحاء العالم، وأوقف هو وغيره من أهل العطاء لأعمال الخير فكانوا بذلك ممثلي الجانب الخيري لقطر في العالم.
محطات في دعم الدولة لتنظيم وتطوير العمل الخيري
أـ العمل الوقفي
ارتبط العمل الوقفي في قطر بالقضاء والمحاكم الشرعية، ولكن لم يكن لها نظام تسجيل إلى أن تقلد فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود – رحمه الله – أمانة القضاء الشرعي سنة 1941م فقام بوضع نظام تسجيل قضايا الأحكام الوقفية وحفظها، فكان ذلك أول تطور يطرأ على مسائل الوقف وقضاياه في قطر، ثم تطور أداء الوقف وتسييره بشكل نوعي عند إنشاء وزارة للأوقاف والشؤون الإسلامية عام 1992، ثم عند تأسيس “الهيئة القطرية للأوقاف” عام 2000.
وقد سعت قطر في العقدين الأخيرين إلى تغيير الطابع الكلاسيكي لدور الوقف واقتصاره على خدمة دور العبادة والمؤسسات الدينية؛ لأن هذا من شأنه انكماش الوقف وعدم الرغبة في البذل بسبب كفاية هذه الجوانب من الدعم اللازم، ولذا عملت قطر على جعل الوقف في المشاريع التنموية الحية التي تؤثر على نهوض المجتمع بأسره، وأهم هذه المشاريع هي التعليم والرعاية الصحية والتنمية الثقافية والبحث العلمي، مثل بناء المدارس والجامعات والمستشفيات.
ب ـ تاريخ نشأة المنظمات الخيرية القطرية
ونظرا لتطور الأنظمة الإدارية الحكومية والخاصة في القرن الماضي تبعا للتطور البشري ووسائل الاتصال والمواصلات والمعرفة عموما فلم يعد العمل الخيري والتطوعي مقتصرا على الجهود الفردية أو الأسرية المباشرة بل توسع بشكل كبير لينشأ ما عرف بمنظمات المجتمع المدني أو مؤسسات النفع العام ومنها الجمعيات الخيرية في قطر في الثمانينات من القرن الماضي كوسيط بين المحسنين والمحتاجين ومنها الهلال الأحمر القطري وقطر الخيرية التي عرفت في البداية ب” لجنة قطر لمشروع كافل اليتيم” ، وتوسع الأمر ليتم تأسيس المزيد من هذه المؤسسات في التسعينات وحتى الآن، كما ظهرت شخصيات رائدة في هذا المجال مثل الشيخ عبد الله الدباغ رحمه الله وغيره.
ج ـ تنظيم وتطوير قطاع العمل الخيري
وكما قامت الدولة بتنظيم وتطوير الوقف في قطر، فقد عملت على تنظيم وتطوير أعمال المؤسسات الخيرية، ويشرف على هذا الأمر حاليا “هيئة تنظيم الأعمال الخيرية” التي تأسست عام 2014 بهدف تنمية ودعم وتشجيع الأعمال الخيرية والإنسانية، والإشراف عليها وتنسيق جهودها ومراقبتها في إطار السياسة العامة للدولة، وحمايتها من الاستغلال في الأعمال غير المشروعة. وقد قامت الهيئة بإنجاز استراتيجية قطاع العمل الخيري والإنساني لدولة قطر (2023 ـ 2030) بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية والجهات الحكومية منطلقة من ركائز رؤية الوطنية لدولة قطر 2030.. وذلك بهدف تنمية ودعم وتشجيع الأعمال الخيرية والإنسانية والإشراف عليها ومراقبتها في إطار السياسة العامة لدولة قطر، وله بصمة مهمة متواصلة في تطوير هذا القطاع.