كيف نمنح الأمل بعد انتهاء الحروب؟ سوريا وغزة نموذجا

علي الرشيد
2025-02-27

“كيف نمنح الأمل للشعوب بعد الأزمات والحروب؟”، لتتجاوز آثار مآسيها المؤلمة، ويعود لوجهها الألق، ولحياتها السلام والاستقرار والنماء… سؤال يفرضه الواجب الأخوي والوازع الإنساني والأخلاقي، والمقال يبحث في كيفية ترجمته على أرض الواقع، خصوصا تجاه أهلنا في سوريا وقطاع غزة.



شعور اللحظات الأولى

تتوقف الحروب وتنتهي الأزمات فيلتقط المدنيون أنفاسهم مع زوال المخاطر والمخاوف المباشرة، التي كانت تهدد وجودهم الإنساني، بسبب القصف والتهديد، أو غياب ـ أو نقص ـ المستلزمات والخدمات الأساسية التي يحتاجونها لاستمرار حياتهم، وتعمّ الفرحة أوساطهم بالفرج بعد الشدة، ويتطلعون بأمل لتجاوز الآثار المؤلمة لمأساتهم الإنسانية، والندوب العميقة التي خلّفتها في واقعهم ووجدانهم، والنهوض مجددا، واستئناف حياتهم بصورة طبيعية.

الكشف عن حجم الدمار والأضرار والخسائر

وبنفس الوقت، فإن توقف الحروب والأزمات يكشف بوضوح أكبر حجم الدمار والأضرار التي لحقت بالمناطق المتضررة وبنيتها التحتية، والخسائر البشرية والمادية لسكانها، ويلفت الانتباه إلى أهمية الدعم الإنساني لهذه المناطق من أجل إعادة عجلة الحياة فيها من جديد، ضمن ما يسمى بجهود التعافي وإعادة الإعمار، وهو واجب ينبغي القيام به من خلال جهود ودعم الدول والحكومات، ومنظمات ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات والمؤسسات الإنسانية والخيرية الدولية، والجهود التطوعية، وتبرعات الأفراد، والشركات.

الإشارة لهذا الأمر تكتسب أهمية خاصة على ضوء أمرين حدثا خلال الآونة الأخيرة، توقف الحرب على قطاع غزة بعد 15 عشرا من بدئها، والمرحلة الجديدة في سوريا بعد أزمة استمرت قرابة 14 عاما، وذلك من أجل الوقوف إلى جانب شعبيهما في هذا المنعطف المهم،  ومنحهم الأمل باستئناف حياة مستقرة تحفظ كرامتهم الإنسانية وتلبي احتياجاتهم الأساسية، وتقديم الدعم لهم في المرحلتين الراهنة والقادمة.

التعاطف أثناء الحروب والأزمات وبعدها

عادة ما يتعاطف الناس مع المتضررين من الأزمات والحروب بصورة أكبر أثناءها، تحت تأثير سقوط الضحايا وأصوات الألم والمعاناة التي تنقلها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن تواصل الدعم والتعاطف مهمان خصوصا في المرحلة التي تليها لمعالجة الأوضاع التي خلفتها الحروب والأزمات مثل انعدام الأمن الغذائي وانتشار حدة الجوع، وعلاج أوضاع النازحين والنقص الكبير في المأوى وعلاج المرضى والجرحى، والنقص الكبير في الخدمات الأساسية، وضرورة استئناف عجلة دورانها.

أولويات أنشطة التعافي المبكر

وقد لفت المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يانس لاركيه الانتباه إلى أهمية الهدن التي تلي وقف إطلاق النار وفترات ما بعد الحرب متحدثا عن غزة: “يتعين علينا أن نستغل هذه الفرصة إلى أقصى حد، وسوف نفعل ذلك. فالجوع منتشر على نطاق واسع، والناس بلا مأوى، والأمراض والإصابات منتشرة، والأطفال منفصلون عن أسرهم، وسحابة من الصدمات النفسية العميقة تخيم على غزة”. وفي نفس الاتجاه أشار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إلى إن الأسابيع الأخيرة كانت أقل اضطرابا (في سوريا)، لكنه استدرك قائلا بأن، “حجم الأزمة الإنسانية لا يزال كبيرا”.

وتركز الجهود الإنسانية في المرحلة الأولى ما بعد الحروب على “أنشطة التعافي المبكر”، وترى ” الاوتشا” أن أولوياتها في غزة بعد الهدنة تشمل: تقديم المساعدات الغذائية، وفتح المخابز، وتوفير الرعاية الصحية، وإعادة تزويد المستشفيات، وإصلاح شبكات المياه، وتوفير المواد اللازمة لإصلاح الملاجئ، وبدء لمّ شمل الأسر. بينما ترى أن منح الأولوية القصوى في سوريا ينصب على توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والمياه النظيفة، واصفة هذه الاحتياجات بـ”الأكثر إلحاحاً”. وقد ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا أن 17 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

احتياجات إعادة الإعمار

وتلفت المنظمات الدولية إلى الميزانية الضخمة والوقت الكبير اللذين تحتاجه جهود إعادة الإعمار في غزة وسوريا، وهو ما يحتاج لتضافر جميع الجهود لإنجازها. وتقدر تقارير أممية أن تكلفة إعادة الإعمار في غزة 40 مليار دولار، بينما سوريا بحاجة إلى نحو 300 مليار دولار، بحسب التقديرات الأولية لصندوق النقد الدولي .

وقد لا تكون الموازنات والوقت المطلوبان لإعادة الإعمار مستغربين نظرا لحجم الدمار والخسائر الكبيرة التي خلفتها الحروب في المنطقتين، ففي سوريا على سبيل المثال لا الحصر، تم تدمير 130 ألف مبنى ، أما في غزة فإن 170 ألف مبنى مدمر ( 69% من إجمالي مباني غزة)، وتبلغ إمدادات المياه حاليا أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، في حين تعرّض ما لا يقل عن 68% من شبكة الطرق لأضرار بالغة، أما المشافي والمراكز الصحية فلم يعد يعمل سوى 17 وحدة فقط، من أصل 36 وحدة، وبصورة جزئية.

وتم الربط بين إعادة الإعمار وعودة اللاجئين فقد دعت المديرة العامة لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة ” آمي بوب” المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار سوريا ـ بحيث تكون شاملة ـ وبما يضمن عودة آمنة للاجئين إلى وطنهم، وأشارت إلى أن الكثير من اللاجئين السوريين ينتظرون الوقت الذي يصبح فيه بلدهم آمنا للعودة، لافتة لإمكانية عودة نحو مليون شخص خلال العام المقبل.

نماذج عملية مشرقة من قطر

وعندما يتلفّت الإنسان حوله فثمة ما يدعو للأمل، فمن دولة قطر ـ على سبيل المثال ـ باتجاه غزة وسوريا انطلقت قوافل وجسور برية وجوية تنقل المساعدات، لاسيما ما يخص المأوى والغذاء ومستلزمات الدفء بالتعاون مع المنظمات القطرية مثل قطر الخيرية والهلال الأحمر، وأطلقت قطر الخيرية حملة “إحياء الأمل لدعم الأشقاء السويين” وحملة “غزة لبيه” اللتين تواصلان القيام بدورهما الإنساني بصورة مباشرة أو بالتعاون مع جهات أخرى داخل قطر مثل صندوق قطر للتنمية، أو مع جهات أممية مثل الأونروا وغيرها. والأمر ما زال بحاجة لدعم أكبر من الدول والحكومات والمانحين وأهل الخير، وجهود أوسع للمنظمات الأممية والدولية.  

شعاع من نور

رغم الألم والدمار والأرواح التي تفقد، وكل ما يجري من مآس نعايشها أو نتابعها والتي ربما اعتقدنا أنها الأفظع على الإطلاق، إلا أنه ثمّة أمل ما ينمو على الضفة الأخرى، تماما كثقب صغير منسي في مساحة ظلماء يتسرب منه شعاع من نور، يعيد للشعوب التي عانت من فظائع الحروب ضوء الحياة من جديد، ويمنحها السكينة والاستقرار والسلام. والتقدم في هذا المسار مرهون بدعم الأخوة والأشقاء الذي يكفكف الدموع ويأسو الجراح، وينهض بالأجساد المنهكة والأرواح المتعبة من جديد.

علي الرشيد
إعلامي وكاتب متخصص في الشأن الإنساني والثقافي
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق