عاد النازحون في الشام… والعود أحمد

عبد الله المختار
2025-03-03

فرحة عارمة عمت بلاد الشام بعد الوضع الجديد في سوريا وفلسطين.. فرحة طارت بها الركبان، في جميع البلدان … وكيف لا؟ بعد ما شهدته المنطقة من أزمات، اختلط حابلها بنابل الظروف المناخية في كل شتاء!! أمران أحلاهما مر.. بين مطرقة الأزمات وسندان الطبيعة.. في سوريا وفلسطين.. تعددت الأسباب والنزوح واحد..

أما آن لأهل الشام أن يعيشوا في ظل حياة كريمة لا ذل فيها ولا هوان.. نعم لقد حان الأوان. ودار الزمان..

بداية لنتعرف على المثل في العنوان: (العَود أحمدُ) لا يخفى عليكم أن معنى العَود: الرجوع للشيء بعد التوقف عنه، أو هو البد من جديد، وأما (أحمدُ): فهو اسم فعل تفضيل من الحمد.. عود أهل الشام إلى ديارهم أحمدُ وفرحة تتجددُ..

يقال إن أول من قال المثل (العود أحمد)، هو خداش بن حابس التميمي، فقد منع من الزواج من فتاة، إيثارا من أهلها لمن هو أكثر مالا، فقال في ذلك شعرا، ثم أصابهم الندم فلما عاد لبوا طلبه فقال‏:‏ (العَوْدُ أحمَدُ، والمَرءُ يَرشُدُ، والوِردُ يُحمَدُ)، فصارت مثلاً، ويقال إن أول من قالها هو مالك بن نُويرة حين قال:

جَزَيْنَا بني شَيْبَان أمس بقَرْضِهِمْ     وَعُدْنَا بمثل البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ

نعم عود أهل الشام أحمد للديار، بعد النزوح والدمار.. بعد هجرة دامت في بعضها لأكثر من عَقد من الزمان راح ضحيتها الكثير، من الأهالي ودمرت فيها المباني، فُرق فيها بين المرء وزوجه، وسجن الأبرياء ممن ساعفهم الحظ في النجاة من الإعدام.

فرحة في فلسطين بعد الاتفاق الجديد على إيقاف طبول الحرب الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر، بعد ما ينيف على أربعمائة يوم…

تصور أن في غزة جيران قُربٍ لا يتزاورون، بسب حواجز وضعها الحاقدون!! أطفال لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل!! لم يعيشوا براءتهم.. لم يعيشوا حنان أبوتهم.. أرامل فَرقت الموت بينهم وأزواجهم..

أبرياء يريدون السلام.. يردون الأمان… يريدون السكينة والوقار.. فلا يجدون … والحال نفسه في سوريا وإن اختلف السبب أٌسَرُ هجرت، ومبان هدمت.. نازحون هنا.. ولاجئون هناك.

تصور أن تهجر من وطنك!! وتصور أنه الشام!! وما أدراك ما الشام إنه جنة الدنيا!! فلم يكن الشام كأي بقعة في العالم!! تصور أن تخرج من وطنك قهرا.. ظلما وعدوانا لا لشيء إلا لطلب عيش كريم!!

طيلة فترة النزوح لم يكن أهل الشام لوحدهم، في معاناتهم، بل عاشها معهم إخوة لهم من أهل الخير فأمدوهم ووقفوا معهم في محنتهم وهكذا طبيعة الإخوة والأحبة، فهم كالبنيان يشد بعضه بعضا… وقد كانت قطر من السباقين في هذا المجال فلم تغب عنه يوما، إن سياسيا أو ماديا شعبا وحكومة، عبر مؤسساتها.. ومن ضمنها قطر الخيرية..

فقد أطلقت قطر الخيرية عشرات الحملات، وأرسلت البعثات، ولم تأل جهدا في جبر خواطر كل الفئات، من اللاجئين والنازحين، وهو خير يذكر فيشكر، والشكر موصول لكل من وقف مع أهل الشام في محنتهم وحقق لهم الأمل من جديد، وعسى أن تكتمل الفرحة غدا بالإعمار، ودواء المرضى، وإيقاف الحروب، والأزمات.. ولم تكتف قطر الخيرية بدعم النازحين في فلسطين وسوريا طيلة فترات الأزمة فيهما، بل حين تغيرت الأوضاع وعادوا إلى منازلهم كانت في استقبالهم.. كانت معهم خطوة خطوة.. شبرا بشبر أينما حلوا أو ارتحلوا.. جوا وبرا وبحرا في السراء والضراء.

اليوم ولله الحمد يعود أهل غزة لوطنهم كما عاد أهل سوريا بالأمس لمنازلهم ولسان حال الجميع:

بلادُ بها نيطت عليَّ تمائمي = وأول أرضِ مسَّ جلدي ترابُها.

نعم دفء الوطن لا تعادله نعمة… لا يشترى ولا يباع..

ولي وطن آليت ألا أبيعه// وألا أرى غيري له الدهر مالكا

وحبب أوطان الرجال إليهم // مآرب قضاها الشباب هنالك

جزى الله خيرا كل من سعى في إرجاع المياه إلى مجاريها، سواء كان ذلك بالنضال والمطالبة بالحقوق أو بالوساطة والسهر على تقريب وجهات النظر، ووضع آليات تتعايش فيها الأطراف وخاصة دولة قطر التي ما فتئت تقدم الدعم وتبذل قصارى جهدها إن على المستوى الدبلوماسي أو على مستوى الدعم عبر الخيرين والمؤسسات الخيرية فيها وعلى رأسها قطر الخيرية… فحمدا لله على عودة أهل الشام إلى ديارهم.

(نعم) تلك الديار شغفن قلبي = (وأيضا) حب من سكن الديارا

عبد الله المختار
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق