جُبلت النفوس على حب المال والسعي وراءه خوفًا من الفقر، الذي يعد به الشيطان، “الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء” (البقرة: 268)، لكن بعض النفوس النقية تفضل العطاء طاعة لله، وقوة في إيمانها، مخالفة في ذلك هوى النفس، وطامعة فيما عند رب العالمين، “وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه..” (سبأ: 39).
العروض القيمة
الصدقة، رغم أنها قد تبدو نقصًا في المال، فإنها لا تتنافى مع الربح، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: “يا ابن آدم! أنفق، أُنفق عليك” (رواه مسلم)، فالعطاء هو عرض ذو قيمة، حيث يجلب بركة مضاعفة.
في مسيرة الحياة، يسعى الجميع لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن بعض الناس يبحثون عن أحب الأعمال إلى الله ورسوله، وهو ما كان نهج الصحابة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كربًا أو تقضي عنه دينًا…” (رواه البيهقي)، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا…” (رواه الترمذي).
فوائد الصدقة
من أهم فوائد الصدقة أنها تقود إلى أعلى المنازل في الدنيا والآخرة، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء…” (رواه الحاكم)، كما أن الصدقة تحقق النماء والبركة، فالله يقبلها ويزيدها، حتى وإن كانت تمرة واحدة، كما في الحديث: “ما تصدق أحد بصدقة من طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه…” (رواه مسلم)، وحيث تكثر الخطايا، تجد في الصدقة ملاذًا؛ فهي تطفئ الخطايا وتكفر الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار” (رواه الترمذي).
فتصور نفسك في أعلى منزلة في مجتمعك وفي عملك، في دنياك جميعًا، وفي آخرتك…
مُنًى إن تكن حقًا تكن أحسن المنى = وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا.
قصص في الصدقة
سطر الصحابة العديد من المواقف المشرفة في الصدقة، من أبرزها، قصص عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي اشترى بئر رومة، وأوقفها في سبيل الله على المسلمين في وقت كان الماء فيه نادرًا في المدينة، كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قدم كل ماله في غزوة تبوك، وقال لما سئل: “ماذا تركت لأهلك؟” فقال: “أبقيت لهم الله ورسوله”.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الجوع، فأرسل إلى بيوت أزواجه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال: “من يضيف هذا الرجل الليلة؟” فقام رجل من الأنصار وقال: “أنا يا رسول الله”.
فذهب به إلى بيته وقال لزوجته: “أكرمي ضيف رسول الله”، و”إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة”، فأكل الضيف وحده، فلما أصبح، ذهب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: “لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة”.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أوصى أحدهم بالتصدق لدفع البلاء، وبالفعل تحسن حاله بعد أن تصدق.
الصدقة في رمضان
الصدقة أجرها عظيم في كل زمان، لكن الحسنة تعظم بعظم الزمان والمكان، ففي مواسم الخير، يزداد الأجر كما هو الحال في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، وخاصة في ليلة القدر.
يروي أحدهم أن ابنه مرض، وعاشوا في حالة من القلق، وجاءهم رمضان وهم على هذه الحال، وفي أحد الأيام، ساعد والد الطفل رجلاً فقيرًا في الطريق بنية شفاء ابنه، وذهب إلى المسجد يدعو الله، وبينما هو في المسجد، جاءه خبر تحسن حال ابنه بشكل مفاجئ.
ختامًا
تظل الصدقة درعًا من البلاء، تدفعه وتطيل العمر، وقد تشفي المرض، فقد روى أحدهم أنه سلم راتبه كاملاً لمحتاج بعد أن علم أنه لا يكفي لسد حاجياته وحاجيات والده المريض، وفجأة جاءه اتصال بشفاء والده، وآخر يقول له الطبيب: “بقي من عمرك شهران، فجهز نفسك”، فصار يتصدق، وما إن انتهى الشهران، حتى انتهت معهما أعراض المرض، وعاش بعد ذلك عمرًا مديدًا.
وبما أن الداعي للخير كفاعله، فإن قطر الخيرية تسخر منصاتها ومكاتبها وموظفيها لتصل صدقاتكم إلى مستحقيها، فهي همزة وصل بينكم وبين المحتاجين، جزى الله أهل الخير أحسن الجزاء، فاغتنموا هذه الفرصة الزمنية قبل أن يفوتكم القطار.