في منطقة مبارك بولاية جنوب غرب الصومال، وُلدت مريم عبد القادر، الفتاة التي كُتب لها أن تخوض غمار تجربة إنسانية مزجت بين المعاناة والأمل، واليأس والانتصار.
جدول المحتويات
نشأت مريم في أسرة متواضعة، مكونة من والدين وأربعة أبناء، كانت حياتهم تعتمد على ما يكسبه والدها من عرق جبينه، والذي كان بالكاد يسدّ احتياجاتهم اليومية، وازداد الأمر صعوبة مع معاناتها الصحية، لأن الأب كان يضطر لمتابعة وضعها وترك عمله أحيانا.
المشاكل الصحية المتكرّرة التي عانت منها مريم منذ صغرها أثّرت على نموها ونشاطها، وعندما كانت في الخامسة من عمرها، بدأ والداها يلاحظان أنها تُصاب بنوبات ضيق تنفس شديد، تجعلها غير قادرة على اللعب كأقرانها، حتى المشي لمسافات قصيرة كان يُنهكها تماما.
صدمة التشخيص
بعد مراجعة عدة مستشفيات وتشخصيها طبيا، جاءت الصدمة بأن لديها عيب خلقي مركب في القلب، وهو ما يستلزم عملية جراحية دقيقة، ساد الحزن أرجاء المنزل، ليس فقط بسبب خطورة المرض، ولكن بسبب عدم قدرة الأسرة على تحمّل تكاليف العلاج الباهظة.
ولأن الصومال يعاني من الصراع والأزمات وانهيار نظامه الصحي، فإن مراجعتهم لمشافي جنوب غرب الصومال والعاصمة مقديشو أكدت أن العملية غير متاحة في المستشفيات المحلية نظرا لعدم توفر التخصصات الطبية المتقدمة.
تطوّر الأمر فلم تعد مريم قادرة على مواصلة الدراسة بسبب نوبات الإغماء المتكررة، حتى قررت أسرتها ألاّ ترسلها للمدرسة، حتى يمنّ الله عليها بالشفاء.
وفي وقت بدت فيه الأبواب كلها مغلقة، جاء بصيص أمل، من أحد أقاربهم في مقديشو الذي أخبرهم عن مخيم طبي تنظمه قطر الخيرية، حيث يمكن لمريم الخضوع لعملية جراحية بالمجان، كان الخبر أشبه بمعجزة بالنسبة للعائلة، لكنه حمل معه تحديا جديدا: كيف يمكنهم نقل مريم إلى مقديشو، في ظل وضعها الصحي الحرج، والمسافة الطويلة التي تفصلهم عن العاصمة؟
مخيم طبي مجاني
لم تتردد والدتها للحظة واحدة، رغم أنها رحلة محفوفة بالمخاطر، استقلت سيارة نقل عام، قطعت بها مع ابنتها50 كيلومترا على طرق ترابية وعرة، غير معبدة، مليئة بالحفر والمطبات، فيما كانت مريم تتنفس بصعوبة، ممسكة بيد والدتها التي لم تفقد الأمل أبدا.
عقب إجراء الفحوصات الأولية في المخيم الطبي قرر الأطباء أن الجراحة لا تحتمل التأخير، فأدخلت غرفة العمليات، وبعد ساعات من الترقب والخوف، خرج الأطباء ليزفّوا إلى والدتها خبر نجاح العملية! كانت لحظة لا تُنسى، حيث فاضت عيونها بالدموع، لكنها هذه المرة دموع فرح وامتنان.
العودة لإكمال الدراسة
بعد العملية، تحسّن تنفس مريم، وبدأت تستعيد حيويتها فقررت العودة للمدرسة لإكمال دراستها، وهو الحلم الذي اعتقدت يوما أنه قد ضاع للأبد. لم تكن مريم فقط من تغيّرت حياتها، بل تغيّرت حياة أسرتها بأكملها، وخصوصا والدتها، التي كانت تعيش في قلق دائم.
عبرت والدة مريم عن شكرها العميق لمن أسهم في إنقاذ ابنتها، قائلة: “نحن ممتنون للخيرين في دولة قطر ولقطر الخيرية وللأطباء المتطوعين الذين قدموا من عدة دول، لأنهم أعادوا البهجة إلى أسرتنا، ومنحونا الأمل من جديد”
لم تكن مريم، الوحيدة التي حصلت على فرصة للتعافي، بل كانت واحدة من 29طفلا استفادوا من حملة “القلوب الرحيمة” التي نفذتها في الصومال، ودول أخرى، والتي جاءت استجابة إنسانية لاحتياجات الأطفال المصابين بتشوهات خلقية في القلب، ممن لا تتوفر لهم فرصة للعلاج نظرا لغياب الإمكانيات الطبية اللازمة وضيق ذات اليد.