ما أصعب على الإنسان أن يُجبَر على خسارة كل شيء، أمواله، وأولاده، ثم يضطر إلى هجرة موطنه فرارا بنفسه وبحثا عن ملاذ آمن، يخرج منكسرا، يتعرض للقسوة، يمر عبر الطرق الوعرة والغابات الخطرة، يركب البحار والأنهار ويذهب ضحية أو يموت غرقا، إذا جاء الأجل، ويفترش الأرض ويلتحف السماء، إذا نجا من الموت. هذا ليس يتيما فقد أباه ولم يبلغ سن الرشد، بل هم لاجئون بالملايين حول العالم، يعيشون اليُتم الفعلي في القرن الواحد والعشرين ؛ محرومون من أهلهم وأموالهم، بعد أن لاذووا بالفرار من أرض الآباء والأجداد.
لاجئون تختلف قصصهم لكن تجمعهم المأساة الإنسانية
نجا اللاجئ السوري أحمد (67 عاما) من الكارثة الرهيبة، ولكنه لا يجد لنفسه سببا لِأن يعيش بقية أيامه من الحياة. رأى ثمانية من أفراد عائلته يموتون غرقا في البحر في 11 أكتوبر / تشرين الأول 2013، بعد أن أخذ منه المهربون كل ما كان يملكه مقابل هذا السفر، لكن سفينته تعرضت لإطلاق النار في عرض البحر مما أدى إلى موت جميع أفراد عائلته في غضون دقائق.
اللاجئة البورمية حميدة البالغة من العمر 75 عاما لا تجد أي معنى للحياة في مخيم يملأه الغبار من جميع الجوانب. أمضت حياتها الطويلة في قرية بسيطة، ولكن أعمال العنف التي حدثت في ولاية راخين أجبرتها على الخروج من البيت في هذا المرحلة الصعبة من عمرها.
هذه القصض المأساوية لا يعيشها أحمد أو حميدة فحسب، بل يعيشها جميع لاجئون تجاوز عددهم 65.6 مليون شخص في عالم اليوم. مهما اختلفت الأسباب وراء النزوح واللجوء من نشوب حرب، أو انتهاك لحقوق الإنسان، أو تغير في المناخ، أو حدوث كارثة طبيعية، كلها تُرغم الناس على ترك الديار؛ فيتجرعون قسوة الزمان ومرارة البؤس ويفتقدون الأمان النفسي والاستقرار المادي والمعنوي؛ فليس لهم ملجأ يحميهم من البرد القارص والصيف الحارق، ولا توجد لهم الرعاية الصحية.
اللاجئون ليسوا إلا بشرا؛ فلهم حقوق إنسانية يجب احترامها وتلبية احتياجاتها لعيش حياة كريمة في مكان آمن، لكن الواقع يشير إلى أنهم ظلوا يتنقلون من مكان إلى مكان آخر بحثا عن حياة أفضل مثلما يحدث في سوريا وميانمار وبعض الدول الأفريقية وغيرها، ولكن هذا لا يعني أن قضيتهم مستعصية على الحل البتة غير أن البلدان المضيفة لهم إذا تُرِكت معزولة، فلن تقدر أبدا على التصدي بمفردها لظاهرة اللجوء حيث أن ملايين البشر يُكرَهون على مغادرة أوطانهم سنويا حول العالم.
ضرورة تكثيف الجهود الدولية للحد من معاناة اللاجئين
هذه القضية تتطلب الالتفات إلى الاحتياجات الأساسية للاجئين وتقاسم المسؤوليات وتحمل عبء المساعدات بالمساواة على الصعيد العالمي، وألا يشكل الخوف والجهل والكراهية عقبة في طريق وصول المساعدة من كان بحاجة إليها. إذا حدث هذا فلن تحث أزمة بسبب اللجوء.
لذا على دول العالم أن تتكاتف لاحتواء أزمة اللجوء بحسب قدرتها على تغطية احتياجاتهم، وأن تشعر مختلف المجتمعات الإنسانية بمشاكلهم عبر حملات إغاثية دورية، وتفتح أبوابها لاستقبال من عاشوا سنين طوال من الظلم والقهر والجوع والحرمان حتى فقد فلذات أكبادهم أمام عيونهم. فهذه كارثة إنسانية مأساوية لن تنتهي أبدا إن لم تتظافر الجهود لاحتوائها.
هنا يأتي دور المؤسسات الخيرية والمنظمات المدنية عبر إطلاق حملات التبرع جنبا إلى جنب توعية مجتمعية واسعة النطاق بين الناس وإغاثة اللاجئين والنازحين ماديا ومعنويا لتخفيف معاناتهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم؛ لكي يعشوا في مأمن من الخوف على ضياع الأهل والأحبة.