كفالة الأيتام : مشروع متكامل يضمن مستقبلاً أفضل للطفل

2024-03-12

عندما شرعتُ في الكتابة حول كفالة الأيتام ، تذكرت واقعة عشتها منذ سنوات في إحدرى القرى البعيدة في الهند. فقد شاهدتُ ذات مساء ماطر سواداً يتحرك بين البيوت. فإذا بطفل يدخل كوخاً قديماً. شدني الفضول لأن أقترب وأعرف حاجة هذا الطفل التي تجبره ظروفه على الخروج في هذا الوقت، مع شدة البرد وتساقط المطر بغزارة.  طرقتُ باب الكوخ فإذا بنفس الطفل يفتح الباب. وإذا بي أعرفه، إنه الطفل الذي كنت أراه كل يوم تقريباً في سوق الخضار، يجمع من قارعة الطريق ما يسقط من عربات الباعة من خضروات ليقوم ببيعه.

لم يتفاجأ الطفل لرؤيتي رغم ملامح الحزن الشديد البادية على وجهه. دخلتُ المنزل بعد أن استأذنتُه. كان البيتُ صغيراً ومظلماً، بالكاد ترى ما بداخلبه. انزوى الطفل إلى ركن في آخر البيت ليأخذ مكانه بالقرب من سرير مهترئ، كانت والدته مستلقية عليه. كان وجهها شاحباً شديد الإصفرار. سألتها عن حالها وكانت تجيب على أسئلتي بصعوبة. فالسعال كان في كل مرة يقطع كلامها. أخبرتني المرأة أن زوجها الذي كان يعمل في الزراعة توفي في حادث منذ سنوات، فلم يبق لهما معيل، فاضطرت للخروج للعمل هي وابنها. لتضيف أن المرض ألزمها الفراش وليس لها المال الكافي لزيارة طبيب أو شراء الدواء، فاضطر ولدها أن يسأل الجيران إن كان لديهم من الدواء ما يخفف عنها بعض الألم.

حياة البشر مليئة بملايين القصص المشابهة لأسر الأيتام حول العالم. كما أن التقارير الدولية تكشف عن واقعٍ مؤلم. فقد أشار تقرير صادر عن اليونيسف إلى وجود قرابة ثلاثة ملايين طفل يعيشون في دور الرعاية حول العالم. كما أن الحروب والأمراض من بين الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع عدد الأيتام، خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا. الأمر الذي يدفعنا جديا في موضوع كفالة اليتيم.

مكانة اليتيم في الإسلام

لم يألُ الإسلام جهدا في حث الناس على كفالة الأيتام ورعايتهم فسحب، بل أولاه اهتماماً خاصاً. حيث يعد اليتيم طفلا مثل الآخرين من الأطفال يتمتع بكامل الحق في العيش الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (سورة الماعون: 1-2). بل يجب تقديم فرص متساوية للنمو ولتقلي التعليم والرعاية؛ حيث لا يعتبر اليُتم في ديننا عاراً ولا ذنبا، فقد نشأ رسولنا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – يتيما منذ ولادته؛ كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ (الضحى: 6).

ولقد جعل الإسلام من كفالة اليتيم باباً واسعاً للخير، يتضح ذلك في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (سورة البقرة: 215). وقال رسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ “‏أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين‏”‏ وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرّج بينهما‏ (رواه البخاري). كما كان –عليه الصلاة والسلام – قدوةً حسنة في التعامل مع اليتيم فقال: “إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم” (رواه أحمد).


كفالة اليتيم: مشروع متكامل يضمن مستقبلاً أفضل للطفل اليتيم في كل جوانب حياته

كفالة الأيتام تشمل كل جوانب حياتهم

يعتقد البعض أن “الكفالة” تعني تقديم مساعدة مالية إلى اليتيم وزيارته في بعض المناسبات. بينما مفهوم الكفالة أشمل وأكثر اتساعاً، إذ يُقصد بها توفير بيئةٍ ملائمةٍ ينشأ فيها اليتيم نشأةً سليمة، يتلقى التعليم والتربية. فبهذا يكون كافل اليتيم هو من يقدم له النفقة والكسوة ويمده بالنصح والإرشاد والتأديب.

وتلعب كفالة اليتيم دوراً هاماً في بناء المجتمع والتقليل من الآفات، كالتفكك الأسري والانحراف. وتتجلى آثارها على الكافل والمكفول على حدٍ سواء في عدّة جوانب، الدينية منها والاجتماعية والاقتصادية.

كفالة الأيتام في الجانب الديني

كفالة اليتيم طاعةٌ لأمر الله عز وجل، وعملٌ بوصايا النبي – صلى الله عليه وسلم –  ودليلٌ على محبته. وبها تحصل لكافل اليتيم صحبته في الجنة وبركة في الرزق في الدنيا، كما تزول بها قسوة القلب وينجو الكافل بها من الكِبر؛ كما أن بها تُحفظ الحقوق وتُصان الأعراض مما يجعل الكافل والمكفول فردين فاضلين يسعيان في بناء المجتمع على أسس خالية من الحقد والكراهية.

كفالة اليتيم من الجانب الاجتماعي

فالإنسان لاينسى من أحسن إليه أو قدّم له معروفاً خاصةً في محنته وشدته؛ فعندما يترعرع اليتيم في جو إنساني عطوف، ويرى كافله يشاركه أنشطته، يشب فرداً سوياً بعيداً عن الأحقاد والعدوانية التي قد تُضمَر تجاه المجتمع؛ مما يساهم في بناء التفاهم والتقارب بين الكافل والمكفول.

كفالة الأيتام من الجانب الاقتصادي

تتطلب كفالة اليتيم أن ينفق الكافل على اليتيم في دراسته ومعيشته ورعايته الصحية حتى يبلغ سن رشده. الأمر الذي يحقق نموّ اليتيم نموّاً صحياً، فيغدو فرداً متعلماً بنّاءً، مستعدًا لاغتنام الفرص التي تمكّنه من تفعيل مهاراته وقدراته مما يفتح أمامه آفاقاً اقتصاديةً شاسعة ينفع بها نفسه ومحيطه.

وفي حالاتٍ أخرى تعني هذه الكفالة حفظ مال اليتيم وتنميته في مشاريع تعود بالفائدة عليه والمجتمع، مما يخفف حدة البطالة ويبعد عن المحتاجين هاجس الفقر وما يجره من أمراض، وبالتالي يساهم في بناء مجتمع صحي ذي مستوى معيشي أفضل.

لذلك وجي على كل واحد منا يزرع الحب والأمل في قلب اليتيم، ويزوده بالثقة بالنفس، بالإضافة إلى توفير بيئة صحية تعليمية مناسبة له تساعده في بناء بناء شخصيته التي تنفعه وتسعد الكافل والمجتمع والإنسانية جمعاء.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك تعليقك