ما أحوج أمتنا اليوم إلى إدراك سمو المعاني التي تحويها شعيرة الحج وأخلاقيات النُسك والمراد منها لتكون منهاجًا وعملًا في حياتها وسلوكياتها وأعمالها. فيكفي المسلمين خيرًا لو فقهوا الركن الخامس من الإسلام “الحج”، ففيه دروسٌ وعبر لو التزمها المسلم صلحت دنياه وآخرته، ومن أعظم ما فيه الإحرام والوقوف على عرفات، منسكان يحفلان بعددٍ لا ينتهي من العبر.
فعندما ينوي المسلم أداء فريضة الحج ويلتزم أركانه وفروضه وسننه ويجتنب مخالفاته ونواهيه، يتلمس نور الله في كل أمر. ألا يكفي أن أول ما يتلفظ به الحاج إيذانًا ببدء الإحرام دعاء “لبيك اللهم حجًا لا رياء فيه ولا سمعه”! معلنًا في دعائه أن أول ما يصلح العمل هو الإخلاص التام لله والخضوع والتسليم بأن العمل له وحده والمسير إليه وحده لا لأحدٍ من خلقه.
فالإحرام على سبيل المثال في الحج صورة نموذجية لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم من حيث قلبه وجوارحه وسلامة اعتقاده وحسن سلوكه والتلفظ بالإخلاص فيه يعكس تجردًا كاملًا لله جل وعلا.
الحج : عمق المقاصد وثراء المعاني
لو استلهم المسلمون من أيام العشر من ذي الحجة وما في الإحرام من معانٍ وراقبوا مقاصده في حياتهم واستسلموا لمراد الله حق الاستسلام لمنحوا السلام للخلق جميعًا وتعظيم حرمات الله من تقوى القلوب. فالإحرام في ظاهره عبارة عن لباس يُفرض على المسلم وأقوال يتلفظ بها، ولكن في باطنه تكليف عظيم على المسلم فهو يدعوه لصلاح السلوك ونقاء السريرة والاعتناء بالأمة.
أما أعظم الأركان في الحج هو ذلك المشهد البشري المهيب يوم يقف الحجيج على جبل عرفات يتصورن يوم القيامة يوم لا تخفى على الله منا خافية، الكل يمشي إليه منتظرًا صحيفة أعماله تؤهله لدخول الجنان وتزحزح وجهه عن النار، مذنبون نادمون فقراء أغنياء رجال ونساء الكل يقف على صعيد عرفات فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، يجتمع فيه الحجيج من بقاع الأرض قاطبة، يرفعون أكف الضراعة بألسنة واحد ويدعون فيه بخير الدنيا وثواب الآخرة.
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) )المائدة: 3( قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.