ذات نهار…
استيقظ أهل الساحل ليجدوا آلاف الأسماك وقد لفظها البحر، وعلقت على الساحل بين الصخور..
تصارع الموت،
وتلفظ أنفاسها الأخيرة…
من بعيد، لمح كهل طاعن في السن ما جرى…
ولم ينتظر ليفكر فيما سيفعله..
بأسرع ما يسمح به سنه، تقدم نحو البحر…
وصل في النهاية..
وأمسك بيديه سمكة كانت لاتزال على قيد الحياة..
وبلطف شديد… نقلها إلى مياه عميقة… ومضت في طريقها…
لم يتوقف لينتظر منها شكرا…
كان أمامه الكثير لينجزه..
انتقل إلى السمكة التالية..
كان يمشي ببطء..
ويصارع نتوء الصخور..
غير مبال بالمياه من حوله…
أمسك أخرى…
وسار من جديد..
أنقذها..
ثم التي تليها…
وعلى صخرة تشرف على الساحل، جلست فتاة يافعة ترقبه في استغراب…
ثم بعد تردد..
اقتربت منه.. لم يلتفت إليها .. وواصل عمله…
قالت له: عماه! ماذا تفعل؟
رد بهدوء: أنقذ هذه الأسماك المسكينة
– ولكن.. هناك الآلاف منها!
أمسك الكهل سمكة أخرى…. وواصل طريقه… أنقذها ثم عاد…
– لقد نجت واحدة أخرى
ردت في استنكار: لقد ماتت عشرات أخر!!
بدا وكأن الكهل لم يسمع كلمات الفتاة….
أمسك سمكة أخرى بذات الشفقة واللطف.. وواصل ما يفعله..
وبحنان فائق أشار للسمكة وقد شقت طريقها: هل رأيت يا بنية؟.. نجت أخرى!
أمسك التالية ثم واصل: منذ بدأت العمل أنقذت عشرة على الأقل!…
-وماذا عن الباقين؟
– ما رأيك أن تساعديني؟ بالتأكيد سننقذ عدداً أكبر!
– ماذا؟!
– بنيتي… يكفيني فخرا أني قدمت ما أستطيع.. وأنقذت عدداً من الأسماك … لو فعل كل منا ما يستطيع.. لكان للكثير منها مختلف حتماً!!
وعلى الساحل..
لم يعد الكهل وحده…
انضم له آخرون ممن آمنوا بنبل الهدف…
لم يبالوا بالمستهزئين والمثبطين..
ومن يجادلون عن جدوى العمل… نظير ما يحققه…
ولا بالمتخاذلين الذين تركوهم وحدهم وانصرفوا دون اكتراث…
كانوا سعيدين جداً بكل ناج نجى…
وكانوا يتمنون لو أن كل أهل الساحل مدوا أيديهم..
وكان وقودهم الذي يحركهم.. تلك الحياة التي تدب في الأجساد المنهكة وهي تشق طريقها إلى حياة جديدة… وعمر جديد…