لا زلنا نواصل الحديث عن الصدقة، هذا العمل الجميل والبسيط في فعله، العميق في أثره. نقتفي أثرها لنكشف معاً بعض أسرارها. حيث خصصنا الموضوع السابق عن الفوائد التي تعود على الشخص المتصدق في دينه ودنياه، من راحة نفسية وأجر ومثوبة عند الله. أما في هذا المقال سنركز على ثمانية جوانب اجتماعية، هي أبواب للخير نجنيها من خلال الصدقة.
ستتعرف في مقال أبواب الخير الثمانية للصدقة :
- 1* إسعاد الفقراء والمحتاجين
- 2* حماية الفقراء من الجوع
- 3* تفريج كرب المحتاج والمكروب والمعسر
- 4* توفير أماكن تليق بمكانة العبادات في الإسلام
- 5* أبواب للخير تفتحها عبر سقاية العطشى في المناطق الجافة
- 6* التشجيع على تحصيل العلم من خلال الإنفاق على الطلاب الفقراء
- 7* توفير الخدمات العامة التي تنفع الناس كالمدارس والمستشفيات
- 8* ستر المحتاجين والمشردين بالتصدق بالملابس المستعملة
1* إسعاد الفقراء والمحتاجين
لو أن هذا فقط هو أثر الصدقة في المجتمع لكان كافياً. فالتصدق ومساعدة الفقراء والمحتاجين عمل محبب إلى الناس، كما أنه من أجل الأعمال إلى الله، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، تقضي له دينا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة…” (ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة).
كما حرص عليه الصلاة والسلام على حث أصحابه على التصدق لمساعدة الآخرين. فقال عليه الصلاة والسلام: “من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له” (رواه مسلم).
فالصدقة مدرسة إيمانية ونفسية، تعلم المسلم كيف يدرب نفسه على العطاء والحرص على مساعدة الآخرين إن كانت لهم حاجة. فضلاً عن نشر معاني التكافل بين المجتمع عبر إدخال السرور على قلب الفقير أو المشرد أو المدين أو الأرملة التي لا تجد من يعيلها وأبنائها.
2* حماية الفقراء من الجوع
أي التصدق بكل ما يؤكل أو يشرب لينتفع به الآخرون. وخير أنواع الطعام هو سقي الماء، فقال عليه الصلاة والسلام: “لَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَاء” (رواه البيهقي).
وقد حث نبينا الكريم أصحابه على إطعام الفقراء والمساكين في أكثر من حديث. فوصف هذا العمل بخير الأعمال. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: “تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ” (متفق عليه). كم عدَّ المتصدقين بالطعام بخيار المسلمين. فقال عليه الصلاة والسلام “خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ. (رواه أحمد).
كما أن صدقة الطعام من أسهل الطرق التي وصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لدخول الجنة، فقال عليه والسلام “َأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلام” (رواه الترمذي).
3* تفريج كرب المحتاج والمكروب والمعسر
أي التصدق على الأرامل والأيتام وكبار السن، كما يشمل كذلك الإنفاق لإغاثة المتضررين من الأمراض والكوارث والنزاعات، كاللاجئين والنازحين ونحوهم.
كما يدخل في ذلك أيضاً إسقاط دينه عن المعسر، بشرط أن يكون ذلك عن طيب خاطر وبدون ضغطٍ أو إكراهٍ أو حياء. وقد سمى الله سبحانه وضع الدَين عن المعسر وإبراء ذمته بالصدقة، فقال عز وجل: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 280). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان رجلٌ يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله عز وجل يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه” (رواه البخاري ومسلم).
4* توفير أماكن تليق بمكانة العبادات في الإسلام
في الكثير من المناطق حول العالم هناك آلاف المساجد ساء وضعها واهترأت جدرانها، لكن لا يجد الناس المال الكافي لترميمها أو توسعتها بسبب فقرهم. وهناك قرى بأكملها لا تتوفر بها مساجد تستوعب العدد الكبير من المصلين. جاء ديننا الحنيف ليحث على الإنفاق لبناء المساجد، فأدرج هذا العمل الجليل ضمن أفضل الأعمال. فمن بنى مسجدا وجعله وقفاً لسائر المسلمين كان صدقة له لا ينقطع أجرها بموته. بل ضمن لنفسه بيتاً في الجنة، فعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة” (رواه البخاري ومسلم).
5* أبواب للخير تفتحها عبر سقاية العطشى في المناطق الجافة
يوجد في العالم ملايين البشر يعانون من العطش في مناطق نائية وصحراوية تنعدم فيها أبسط وسائل العيش. فتصور أخي حجم السعادة التي ستحل على أهل قرية فقيرة، من خلال حفر بئر أو مد أنابيب المياه النقية لتعينهم على البقاء وتحفظ لهم أنعامهم وزروعهم، فهذه أيضاً أبواب للخير ، فلا يضطرون إلى التنقل وتكبد عناء رحلة البحث عن الماء. فهي من أكثر أنواع الصدقات ترغيبا فيها، مصداقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصدقة سقي الماء” (رواه أحمد وأبو داود، صحيح الجامع).
6* التشجيع على تحصيل العلم من خلال الإنفاق على الطلاب الفقراء
وكم هي كثيرة الأسر الفقيرة التي لا تقوى على تلبية حاجات أبنائها في الدراسة. فمن الجيد التصدق على الطالب عبر كفالته من خلال توفير حاجاته المعيشية وشراء ما يحتاجه من الكتب والأدوات الدراسية. بل من العلماء من أجاز إخراج الزكاة وإنفاقها على طالب العلم الفقير الذي يدرس في مختلف المجالات المباحة التي تنفع الناس في حياته وأخراهم.
7* توفير الخدمات العامة التي تنفع الناس كالمدارس والمستشفيات
أجاز العلماء التصدق على بناء المدارس ومعاهد العلم واقامة المستشفيات، وغيرها من الخدمات التي توفر النفع العام وتيسير أمور المحتاجين خاصة في المناطق النائية، بأن تخصص لها أوقاف وصدقات لا ينقضي أجرها بموت المتصدق. والإنفاق على المدارس لا يقتصر فقط على المدارس المخصصة للعلم الشرعي فقط، بل تشمل كل علم نافع يعود بالخير والفائدة على الناس.
8* ستر المحتاجين والمشردين بالتصدق بالملابس المستعملة
في كل سنة تمر أشهر كلها برد وصقيع، ولا يجد ملايين المشردين والنازحين في المناطق النائية ما يدفئ أجسادهم الهزيلة، وأطفال احمرت أصابع أيديهم وأقدامهم لأنهم لا يجدون حتى قطعة قماش تعيد بعض الحرارة لأجسامهم.
من الجميل أن نهدي هؤلاء ملا بس جديدة. لكن أبواب للخير يمكن أن تفتحهاعبر التصدق بملابسنا المستعملة إذا كانت في حال جيدة، فلا حرج في ذلك، بل هو مستحب عند بعض أهل العلم.