تسببت الأمطار التي هطلت على مناطق مختلفة في الجزء الشرقي من قارة إفريقيا في تشريد أكثر من 2.5 مليون شخص. ففي الصومال لوحدها أدى فيضان نهري جوبا وشبيلي إلى تشريد أكثر من 370.000 شخص نهاية أكتوبر 2019. ناهيك عن قطع التيار الكهربائي وتدمير المخازن الاحتياطية للغذاء. لكن القارة الإفريقية ليست وحدها من يعاني من آثار التغيرات المناخية، بل أن الأبحاث تشير إلى أن مناخ الأرض يتغير بمعدل تجاوز معظم التوقعات العلمية. وقد بدأت الكثير من المجموعات البشرية تعاني بالفعل من الكوارث وعواقب التغيرات المناخية ليجد لاجئو المناخ أنفسهم مجبرين على مغادرة منازلهم بحثًا عن مناطق أكثر أمناً.
1* تتعدد المصطلحات والمعاناة الإنسانية واحدة:
تنتشر في الغالب ثلاثة مصطلحات أساسية في سياق الحديث عن حركة الهجرة والنزوح بسبب التغيرات البيئية والمناخية:
فعلى الرغم من أن مصطلح “لاجئي المناخ” (Climate refugees) هو الشائع لدى وسائل الإعلام، ويستخدم غالبًا للحديث عن الهجرة القسرية في سياق التغير المناخي والبيئي، لكن تبقى هذه التسمية خاطئة من الناحية القانونية، فمن جهة نجد أن معظم التشرد الناجم عن تغير المناخ داخلي وليس عابراً للحدود.
ومن جهة أخرى لا تعترف الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951 بالعوامل البيئية كمعايير لتعريف اللاجئ. فلاجئو المناخ لم يضطروا إلى الهجرة بسبب الخوف من العنف أو التعرض لأي نوع من أنواع الاضطهاد.
كما تُعرَّف هذه الفئة كذلك بـ “المهاجرين البيئيين” (Environmental migrants) بحكم أنهم أشخاص أو مجموعات من الأشخاص ملزمون بمغادرة منازلهم المعتادة مؤقتاً أو بشكل دائم، غالبًا لأسباب تغيرات مفاجئة أو تدريجية في البيئة التي تؤثر سلبًا على حياتهم أو ظروف معيشتهم، لينتقلوا للعيش في مناطق أخرى داخل بلدهم أو في الخارج.
ويوصفون أيضاً بـ ” المشردين بيئياً ” (Environmentally displaced person) عندما يعد تدهور المناخ أو الكوارث الطبيعية هو السبب الرئيس لنزوح هؤلاء داخل بلدانهم أو عبر الحدود الدولية.
2* لاجئو المناخ : أعداد تعادل أضعاف أعداد اللاجئين بسبب النزاعات
تسببت تغيرات المناخ في عام 2018 في تهجير 17.2 مليون شخص في 144 دولة حول العالم. وقد سجلت الفلبين والصين والهند أعلى معدلات النزوح بسبب الكوارث الطبيعية.
كما شهد النصف الأول من عام 2019 نزوحاً داخلياً لأكثر من 7 ملايين شخص. وبحسب مركز مراقبة النازحين داخليا، فقد تم تسجيل أكثر من 265.3 مليون نازح ومشرد بسبب تغيرات المناخ في جميع أنحاء العالم على مدى 11 عامًا (2008-2018). وكانت مناطق جنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ أكثر المناطق تضرراً.
ولا تزال الجزر والدول الصغيرة تتأثر بشكل كبير بالظواهر الجوية، خاصة العواصف والأعاصير. ناهيك عن عمليات التحول البيئية والتدريجية، مثل الجفاف أو ارتفاع مستوى سطح البحر التي أضحت تؤثر بشكل متزايد على حركة الناس في جميع أنحاء العالم.
3* تأثير المناخ على حركة الإنسان
لقد شكلت العوامل الطبيعية منذ الأزل أحد أهم الأسباب لتنقل وهجرة البشر، سواء بسبب التغيرات المفاجئة كالأعاصير والزلازل، أو بسبب التغيرات التدريجية مثل الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر. لكن في العقود الأخيرة، تسبب الاحتباس الحراري (الناجم عن النشاط البشري) في آثار هائلة يصعب إصلاحها على مناخ الأرض، قد بدأنا نشهد ما تسببه من خراب على مستوى العالم.
بل أن الخبراء يتوقعون أن المستقبل في جعبته تحديات أكبر، وستكون المناطق الفقيرة هي الأكثر تضرراً لعدم جاهزيتها لمثل هذه السيناريوهات. إذ سيكون لعوامل طبيعية مثل ارتفاع منسوب سطح البحر أو الجفاف أو الفيضانات تأثير سلبي على أولئك الذين يعيشون على الأراضي الهامشية أو في المناطق الريفية والنائية.
ناهيك عن تأثر الموارد الطبيعية المحدودة، مثل ندرة مياه الشرب في أجزاء كثيرة من العالم، وتراجع المحاصيل الزراعية والماشية بسبب ظروف الحرارة والجفاف أو البرودة والرطوبة، مما يهدد سبل العيش ويزيد من انعدام الأمن الغذائي.
وفي عام 2018، قدر البنك الدولي أن يصل عدد لاجئي المناخ إلى 143 مليون شخص بحلول عام 2050، خاصة في ثلاث مناطق (أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا). ومن المتوقع كذلك أن يرتفع معدل الوفيات بسبب الأمراض المرتبطة بالفيضانات والجفاف في بعض مناطق آسيا وإفريقيا.
4* العالم ليس جاهزاً تماماً للتعامل مع أزمة اللجوء بسبب المناخ
لا تزال مسألة “هجرة المناخ” من المسائل المعقدة من الناحية القانونية، وهي انعكاس لتعقيداتها على أرض الواقع. ففي الكثير من دول العالم (خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية) تتداخل فيها عوامل المناخ مع الصراعات التي تدفع الناس إلى الهجرة واللجوء.
أضف إلى ذلك أن عامل “التهديد” قد لا يكون واضحاً للدول لكي تسمح بحركة هجرة أو نزوح داخل أراضيها.
لذلك تجتهد الكثير من المنظمات الدولية من أجل إيجاد حلول لهذه التحديات. مثال ذلك المقترح الذي تقدمت به المنظمة الدولية للهجرة في عام 2018، من أجل حث الدول على وضع سياسات تضمن مسارات الهجرة والتنقل مثل تسهيل وتعجيل استصدار تأشيرات الدخول.