قد يكون رمضان هذا العام، من أكثر الفترات في حياتنا التي نبحث فيها عن الراحة والطمأنينة. بسبب الظروف التي سبقت قدوم الشهر المبارك ويعيشها أغلب المسلمين بسبب الوباء. من اضطراب وحيرة وقلق وضيق أصاب الأفراد والجماعات. فيفقد البعض منا الشعور بمعاني الشهر الفضيل. فما أحوجنا إلى الوقاية من هذه الأمراض في رمضان. عبر حرصنا على اغتنام خيري الدنيا والآخرة. وبلوغ منزلة الطمأنينة التي هي أول مؤشرات الوصول إلى سعادة الدارين، وأول الطريق نحو استعادة الحياة الهانئة والرغيدة. لذلك اطمئن … فقد حلّ رمضان
فما يحزن القلب أكثر هو أن يمضي الشهر المبارك بأيامه ولياليه، ونحن بنفس الحال التي كنا عليها في الأيام التي سبقته، من الهم والقلق والحزن. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أصحاب النفوس المطمئنة ويوفقنا للصالح من الأعمال.
الطمأنينة أول اليقين
وأول الطريق لطمأنينة القلب هو أن يطمئن المسلم لما وجهه إليه ربنا سبحانه وتعالى ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وأنه سبحانه هو الناصر والولي والكافي وحده، وأنه بمشيئته وحده تكون الأمور، وأنه لن يصيب العبد إلا ما كتبه الله له، فيرتاح قلبه ولا يبقى فيه مكان للفزع أو الجزع بإذن الله.
لذلك من الجيد أن نذكّر بعضنا بما مرّ على المسلمين على مرّ تاريخهم الطويل. عرفوا رمضان في الراحة والرخاء بالتقرب إلى الله كثرة الطاعات وعمل الحسنات. وعرفوه أيضاً في أوقات الشدة والبلاء. فاستمدوا منه العلاج الذي وصفه لهم الإسلام. فتحولت تحدياتهم إلى انتصارات وزادهم البلاء اصراراً وعزيمة. وارتاحت نفوسهم واطمأنت قلوبهم. وأول هؤلاء رسولنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم.
فقد ذكر لنا القرآن قصة بليغة عن الطمأنينة، عندما أنزل الله تعالى السكينة والطمأنينة على صحابة نبيه عليه الصلاة والسلام. فكان النصر من عند الله في معركة بدر الكبرى في رمضان، لما توكلوا على الله حق التوكل وأحسنوا الظن به سبحانه.
قال تعالى: ] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (الأنفال 9 – 10)
فالطمأنينة تبعد الحزن وبها تستريح النفوس. والمسلم إذا بلغ منزلة الطمأنينة، أصبح واثقاُ بالله تعالى وتدبيره، وصارت أوقاته في رمضان فترة سكون آمن واستراحة وأنس دائمين.
كيف نستشعر الطمأنينة في رمضان؟
قد يسأل سائل: كيف نحصل على الطمأنينة؟ وكيف نزرعها في قلوبنا؟ والجواب يأتيه بليغاً عميقاً في سورة الرعد، عند قوله الله تعالى: [الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] (الرعد – 28).
فالطمأنينة هي من الأمور التي يبثها الله في نفوس المؤمنين في أوقات حلول الهم والغم والقلق والاضطراب، إذا سلموا أمرهم لله بالعبادة والخضوع والانكسار له.
وفي مثل هذه الظروف الحساسة التي نعيشها لن نهنئ بحياتنا وبين ذوينا إلا عبر ذكر الله. وها هي الفرصة سانحة لنا في رمضان لنزيد من مستوى الطمأنينة في القلب عبر الصلاة والذكر وقراءة القرآن.
فعلينا أن نحرص على ألا نخرج من رمضان إلا وقلوبنا مطمئنة. فنكون في حصن حصين من أي بلاء أو جزع بإذن الله تعالى. ويغدو كل يوم من أيام الشهر الكريم صافٍ لا يعكر صفونا شيء، لثقتنا بالله وحسن ظننا بتدبيره واختياره.
قيام الليل
لقد وجه الإسلام العبد المؤمن لأن يجعل له أوقاتاً يفر فيها من ضجيج الحياة وصخبها. فيخلو فيها بنفسه يطهرها مما أصابها من ضعف ووهن وجزع وخوف. ويرجع إلى مصدر الطمأنينة ومفتاح السعادة.
قد تكون الظروف قد حرمتنا من ارتياد المساجد فننعم بتلاوة القرآن أو الاستماع له خلال صلاة القيام والتراويح. لكن العبد المؤمن أمره كله خير.
كما وجهنا ديننا الحنيف إلى أبواب شتى للطاعات. من ذلك اغتنام سكون الليل في القيام والذكر، فتلك من أحب الأوقات إلى الله تعالى. فيغتنمها العبد في الصلاة وقراءة القرآن والأدعية التي تمنح المؤمن الشعور بالاطمئنان والرضا في حياته.
فقد روى البخاري عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي، أو قال: ثم دعا استجيب له، فإن عزم فتوضأ، ثم صلى قبلت صلاته”.
بالخير اطمئن
من فضائل رمضان أنه يذكرنا أنه مهما شعرنا بضيق وقلق، علينا أن نشكر الله على الخيرات التي ننعم بها. فلدينا ما يكفي يومنا من الطعام ولنا منزل يجمعنا بذوينا ونشعر فيه بالأمن. ونكون ممن ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه …” (رواه مسلم).
بينما هناك من هم في ضيق أشد، بسبب الجوع أو المرض أو قلة ما في اليد، ونعلم أنه بصدقتنا في رمضان نمنح هؤلاء الطمأنينة والفرح فيعم الخير والبركة.
- فمن أعمال البر في رمضان، إطعام الطعام للصائمين من الفقراء والمحتاجين، فيصلهم طازجاً إلى بيوتهم أو مؤنة تكفيهم طيلة الشهر الفضيل.
- كما أن رمضان هو موسم الزكاة، لما فيها من بركة تحل على من يؤديها، وسعادة وتفريج كربة المستفيدين منها.
- أو إخال السرور على قلب يتيم، بأن تكفل حالته ويطمئن قلبه لمستقبل.