الاستثمار في العمل الخيري

2022-09-05

يعتبر التمويل عصب الحياة للمنظمات غير الربحية. فكلما تمكنت المنظمة من تنويع مصادرها أصبح لديها القدرة في التغلب على مشكلة شح الموارد، وتمكنت من تحقيق الدور المنوط بها. وقد ثبت بما لا شك فيه أن تمويل المشروعات الخيرية من أهم المشاكل التي تواجه المؤسسات الخيرية. فالتمويل يتوقف عليه حجم نشاط المؤسسة الخيرية وضمان ثباتها واستمراريتها لأداء مهمتها.

وكثيراً ما تواجه الجمعيات الخيرية وقت الأزمات عجزا في تمويل أنشطتها. ما يدفعها لتوفير جوانب استثمارية تمكن المؤسسة من سد الفجوات التمويلية وتعزيز قدراتها لتخفيف العبء على الممولين والداعمين وتحقيق استقلالية المؤسسة…

وقد أقرت الشريعة الإسلامية فكرة الاستثمار الخيري في مواضع كثيرة في التشريع والاقتصاد الإسلامي.

كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة “. وهو ما يؤكد على ضرورة استثمار الأموال الخيرية. وهذا دليل على وجوب العمل على تنمية وتثمير واستثمار الأموال الخيرية ضمن ضوابط معينة لتحقيق الهدف من فكرة الاستثمار الآمن دون تعريضها للضياع.

أما الهيئة الإسلامية للاقتصاد والتمويل الإسلامي فدعت إلى ضرورة توطين فوائض الأموال بالمؤسسات الخيرية في مجالات الاستثمار الآمن. حتى تتوسع في أعمالها الخيرية بشكل أفضل. في الوقت الذي تضمن فيه مصدراً استثمارياً يزيد من قوتها وحضورها في المجالات المختلفة.

ضرورة وضع خطط استراتيجية محكمة وطويلة الأمد

حتى تتمكن المؤسسات الخيرية من دراسة بيئة استثمارية نظيفة وآمنة واختيار مجالات الاستثمار الأمن لفوائض الأموال لديها. خاصة المؤسسات التي تستقبل تبرعات بأحجام كبيرة لتضع لها رؤية مستقبلية لمسيرة عملها.

ويمكن لها أن تنشط في المنتجات الإسلامية بعمل مشترك بينها وبين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بعد تحديد واضح للاستثمارات الآمنة وتمحيصها والتأكد من نسبة المخاطر بها..

كما يجب تحديد الأسس والأدوات والمعايير اللازمة لعلمية الاستثمار لتحقيق هدف الأمان والمشروعية لاستثمار هذه الأموال. وقد أقرت هيئة الأعمال الخيرية بدولة قطر في نظامها الأساسي باستثمار فائض الأموال لدى الجمعيات الخيرية.

حيث إن استثمار الفائض يقوي القدرة المالية للمؤسسة الخيرية ومن ثم يساعدها في عملية النمو والانتشار وتوسيع دائرة المستفيدين. بالإضافة إلى الاكتفاء في تمويل مشاريعها وإدارة عملياتها بما يحقق الثقة والمتانة لدى المؤسسة الخيرية.

ومن أمثلة الاستثمارات التي يمكن للمؤسسة ممارستها “شراء العقارات ذات العائد الثابت، والدخول في محافظ استثمارية آمنة ومضمونة رأس المال مع المؤسسات المالية الإسلامية. بالإضافة إلى شراء الصكوك الإسلامية والمساهمة في رؤوس الأموال للشركات الجديدة والاكتتابات التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وخلق الصناديق الخيرية التي تعتبر صمام أمان لأموال التبرعات فهي بديل عصري للوقف الخيري”.

 وقد أكد الخبراء أن تزايد هذا الشكل من الأوعية الاستثمارية هدفه الأساسي توفير الإدارة الرشيدة لأموال التبرعات بصورة أكثر كفاءة وشفافية لتحقيق الاستدامة المالية للجمعية.

بمعنى آخر توفير وعاء لتجميع التبرعات والأموال المخصصة لأنشطة أعمال خير معينة واستثمارها والصرف من عوائدها على هذه الأنشطة.

وتقوم بتأسيسها المؤسسات والجمعيات الخيرية لأغراض تمويل أنشطة مؤسسات التعليم ومساعدة الأيتام والمساكين والأرامل ويمكن أن تساهم في بناء المستشفيات والمراكز العلاجية    

تنبع أهمية الاستثمار الخيري في تعلقه بشعائر الإسلام

يعتبر استثمار الأموال الفائضة واجب كفائي على الأمة. على أن يكون الاستثمار لتكوين وفرة مالية وتحقيق الكفاية للجميع..

ومن القواعد الفقهية ” ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. “حيث إن الاستثمار ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لإدراك غاية عظيمة وهي ابتغاء مرضاة الله بإسعاد الفرد والمجتمع.

ولهذا تتجلى الأهمية الاقتصادية للاستثمار في التشريع الإسلامي من خلال الدور الذي يلعبه في النشاط الاقتصادي وتطوره. حيث إنه يلعب دوراً أساسياً في عملية التنمية الشاملة والمستدامة.

ويقوم هذا الاستثمار على ضوابط شرعية يجب أن يراعيها المستثمر حتى لا يقع في المحظور. وهي الالمام بفقه المعاملات والتحلي بقيم الصدق والأمانة والوفاء بالعهد والوعد لأنه توجه نحو الخير..

فالاستثمار الخيري هو عملية إيجاد مشروع استثماري يعمل على دعم مشروع خيري لضمان استمراريته دون الحاجة لمزيد من الدعم والتمويل.

تتنوع أساليب العمل في الاستثمار في العمل الخيري وظهور المشاريع الاستثمارية التي تدر أرباحاً معقولة لمساعدة الفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين. فهم يظلون بحاجة إلى تأمين مورد مالي ثابت ودائم ولا يتحقق ذلك إلا باستثمار الأموال لتأمين هذا المورد وتلبية حاجاتهم. عبر مشروعات مكافحة تخفيف الفقر وكفالة الايتام وتحسين البيئة وتمويل قطاعات البنية التحتية وغيرها من الاعمال الخيرية.

وهنا تقع على عاتق الجمعيات الخيرية تحقيق الاستدامة المالية من خلال البحث عن مصادر وموارد بديلة إضافة للموارد الاعتيادية مثل التبرعات والصدقات وغيرها، والتفكير الجدي في مجال الاستثمار لفوائض الأموال لديها، أو تأمين مصادر تمويلية بديلة من أجل توسيع قاعدة الاستثمار، وتكوين أصول رأسمالية ذات دخل ثابت لاستدامة أعمالها.


عبد الله جابر – مدير إدارة الاستثمار بقطر الخيرية (بتصرف).

ملاحظة: يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

المقال منشور في العدد 22 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق