من رحمة الله سبحانه بعباده أن جعل منهم أناساً يسارعون لإسداء المعروف بالمحتاج والتفريج عن المكروب. يسعون في قضاء حاجة المضطرين ونفوسهم ممتلئة بالرضى. فالسعي لقضاء حوائج الناس هو من أجلّ الأعمال التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه. فهو نعمة تستحق الشكر على من ألهمه الله إياها وفن لا يجيده كل الناس.
والسيرة النبوية سواء منها القولية أو الفعلية مليئة بالأحاديث والشواهد على فضل هذا العمل. فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة” (رواه مسلم). ومعنى قوله: “من كان في حاجة أخيه” أي: سعى في قضائها بالفعل أو بالأخذ بالأسباب.
قضاء حوائج الناس سنة نبوية
إن أحسن عمل يمكن أن نقوم به اقتداءً بنبينا عليه الصلاة والسلام، هو أن نتخلق بأخلاقه ومعاملاته في محيطه ومع الناس أجمعين. وليس هناك أشمل ولا أبلغ من وصف الله تعالى له بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم الآية:4)، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء الآية:107).
وليس هناك أصدق من وصف زوجته خديجة – رضي الله عنها – له يوم جاءها فزعاً من الغار. فقد قالت: ” كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
أحب الأعمال إلى الله: فك كربة المسلم وقضاء دينه
قد تسأل أي شخص عادي: “ماذا تعتقد أن تكون أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؟” فقد يجيبك، بقوله أنها كثرة الصلاة والذكر، أو كثرة الصوم أو ربما الاعتكاف طوال الوقت بالمساجد. فالأكيد أن كل هذه الأعمال منزلتها رفيعة وثوابها عظيم.
لكن استمع إلى قول الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى. فقد سأله سائل عن أحب الناس إلى الله وأي الأعمال أحب إليه سبحانه.
فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلاً جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟، وأي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ) رواه الطبراني .
فلاحظ أخي كيف جعل – عليه الصلاة والسلام – منزلة العمل بمنزلة المنفعة التي يقوم بها المرء. إذ تعظم محبة الله له بقدر المنفعة التي يقوم بها.
بل ووضع عليه الصلاة والسلام أعلى منازل المنفعة إدخال السرور على قلب مسلم وفك كربته وقضاء دينه.
في فضل تفريج كرب المكروبين
تتعدد أعمال البر التي يمكن أن يسعى من خلالها المرء من أجل مساعدة الآخرين والتفريج عنهم. مثل مساعدة المريض حتى يشفى أو إغاثة المكروب والمشرد حتى يُرفع عنه الهم، وتفريج كربة الغارم والمدين وإطعام الجائع.
ومن أمثلة السعي لقضاء حوائج الناس أيضاً قضاء حاجة الأرملة واليتيم. فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، – وأحسبُه قال – وكالقائمِ لا يفتُرُ، وكالصائمِ لا يفطر) رواه البخاري.
فهذه الأعمال وغيرها تدخل في عموم عون المسلم وقضاء حوائجه وتفريج كربه والتيسير عليه. وفيها من الأجر ما لا يعلم قدره إلا الله. جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “… ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.