يحب العبد المؤمن أن يكثر من الأعمال الصالحة، خاصة في مواسم الخير، مثل رمضان وذي الحجة. حتى يستزيد من الأجر وينال الخير والثواب. لكن قد تلتبس عليه الأمور أحياناً فيقدّم عملاً مستحباً عما هو واجب القيام به فيقع الضرر به أو بالآخرين. كأن يتصدق مثلاً بمال في حين أن الأولى أن يدفع ذلك المال لدائنيه. لذلك صارت مسألة الأولوية في مسألة الصدقة بالمال قبل قضاء الدين من المسائل الشرعية التي تشغل بال الكثيرين. وهو ما سنحاول إيجازه عبر هذا المقال.
في مقال “حكم التصدق بالمال قبل انقضاء الدين” ستتعرف على:
حكم إخراج صدقة بنية سداد الدَّين : فهل الصدقة تقضي الدين ؟
يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا) {الطلاق: 4}، فالمؤمن مبتلى في أمور دينه ودنياه، وقد يكون الدِّين الذي اقترضه من أعظم البلاء الذي يواجهه ويقض مضجعه. فهل تجوز الصدقة بنية قضاء الدين ؟
أجاز العلماء القيام بشتى الأعمال الصالحة بنية رفع البلاء أو تسير أمور الدين والدنيا. فأصبح (تقديمُ عملٍ صالح يتوسل به العبدُ إلى ربه بين يدي حاجته من الأمور المشروعة ). خاصة الصدقة التي لها تأثير عجيب على دفع أنواع من البلاء، فيتصدق المرء بنية قضاء دينه.
ومثلما جاء في الآية الكريمة، فالأمر مرتبط بتقوى الله، وحسن النية. فالاستدانة وطلب الدَّين جائز. لكن بنية الوفاء به ورد حقوق الآخرين وعدم المماطلة أو تعمد الإضرار بهم.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.” (رواه البخاري).
هل يجوز للمدين أن يتصدق ؟
إن الصدقة من أجلّ الأعمال التي يتقرب بها البعد إلى الله ويطمح أن ينال بها بركة الدنيا بالحفظ والرزق وثواب الآخرة أجوراً وحسنات.
قال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة:261}.
ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً.” (رواه البخاري ومسلم).
لكن ديننا الحنيف ربط الأعمال المستحبة مع عدم تعارضها مع واجب شرعي، كقضاء الدين. فيبقى التصدق على الفقير ومساعدة المحتاج أولى. لكن يبقى ذلك مقترناً بعدم تعارضه مع واجب، كالنفقة على من تلزم نفقته وقضاء الدين.
لذلك نجد أن النصوص الشرعية حذرت من خطورة عدم سداد ديون الآخرين. فقد روى الترمذي عن أبي هريرة: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّين فيقول: هل ترك لدينه من قضاء، فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المسلمين فترك ديناً علي قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته”.
وقد قال العلماء أن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على من له دين إما تحذيراً من خطورة الدين وزجراً عن المماطلة في أداءه وضياع حقوق الناس، أو كراهة أن يوقف دعاءه بسبب ما عليه من دَين.
أيهما يُقدم سداد الدين أم الصدقة ؟
قال العلماء أنه إذا حل وقت سداد الديون وصارت حالة غير مؤجلة. كما لا يمكن الجمع بينها وبين الصدقة غير الواجبة. فالواجب تقديم سداد الديون عند حلول الأجل لأن قضاء الدين واجب والصدقة مستحبة. أما إذا كان إخراج الصدقة لا يؤثر في سداد الديون، كأن يتصدق بمبلغ زهيد، فلا حرج في إخراج صدقة.
ونفس الشيء ذا كانت الديون مؤجلة ويمكن سدادها عند حلول أجلها مع إخراج الصدقات، فيمكن للمرء أن يتصدق وهو جاهز لسداد دونه في أجلها فلا حرج في التصدق بل هو مستحب.
أما إذا كانت الصدقة واجبة، أي زكاة، فهي لا تجب على من عليه دين. إنما تجب الزكاة إذا كانت الديون لا تنقص المال عن قدر النصاب، فيصير الأولى والواجب إخراج المال لسداد الديون.
محمد الامين
بارك الله فيك