يعتبر الحق في التعليم أحد الحقوق الأساسية التي نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان وركيزته الأساسية المتمثلة في الشرعة الدولية. وفقا لالتزاماتها الدولية والدستورية، تطالب مختلف دول العالم باتخاذ كافة التدابير القانونية والإجرائية والمالية الكفيلة ليس فقط باحترام الحق في التعليم لفائدة مواطنيها بل بالوفاء بهذا الحق وحمايته أيضا باعتباره حقا أساسيا. فالحق في التعليم غير قابل للتصرف تحت أي ظرف كان، سلما أم حربا مثل التعليم أثناء النزاعات ، مما يعني أنه من واجب كل دولة توفير خدمات التعليم لمواطنيها في كل الظروف، سواء بالاعتماد على إمكانياتها ومواردها الذاتية أو بالاستعانة عند الضرورة بدعم نظام التضامن الدولي.
الحقوق الأساسية وفق ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان كل لا يتجزء، لكن ما يميز الحق في التعليم هو أنه يمثل القاعدة الصلبة التي تبنى عليها ضمانات ثلاث
- تحقيق الحقوق الأساسية الأخرى كالصحة، والدخل، والمشاركة السياسية، وحرية التعبير وغيرها.
- بناء مجتمع سليم يتمتع بالسلم الأهلي، والوئام الاجتماعي، والتنمية الشاملة والعادلة.
- إقامة مجتمع دولي قائم على الانفتاح، والتعاون والتعايش السلمي، ونبذ العنف والتطرف والتعصب.
لكن تقف أمام تحقيق مبدأ الحق في التعليم عدة عقبات وتحديات وفقا للسياقات العامة لكل دولة، وتبقى أهم هذه العقبات حالة النزاعات التي تشهدها مجموعة من الدول التي تتنمي كلها، وبدون استثناء، للدول النامية وتحديدا تلك التي تصنف ضمن مجموعات الدول الفاشلة، أو الدول المنخفضة الدخل، وفي بعض الأحيان أيضا قد يطال الأمر الدول المتوسطة الدخل.
يعاني التعليم في سياق النزاعات في هذه المجموعات من الدول، وبغض النظر عن النزاعات، من اختلالات جوهرية تطال مختلف جوانب المنظومة التعليمية من استراتيجيات وسياسات، وتخطيط وتخصيص للموارد، وإدارة ومتابعة وتقييم، ومناهج وتكوين وغيرها. وكل هذا يؤثر بشكل كبير على قدرة هذه الدول على ضمان تعليم يشمل الجميع وذي جودة عالية.
وتزداد أزمة التعليم في هذه الدول بسبب النزاعات ، حيث تؤدي المخاطر الناجمة عن النزاعات في ظل هشاشة المنظومة التعليمية بشكل خاص وهشاشة الدولة بشكل عام إلى خسائر فادحة تصيب المنظومة التعليمية. ويمكن إجمال مضاعفات النزاعات على التعليم في:
- بروز إشكاليات الهوية كعامل مفرق يهدد اللحمة الاجتماعية ويزيد من إضعاف مقومات السلم الأهلي، مما يحول دون الاستفادة من التعليم في تعزيز اللحمة الوطنية خصوصا وأنه في أغلب الأحيان لا يكون التعليم في الكثير من هذه الدول عامل جذب خطط له لتعزيز الهوية الجامعة.
- استهداف الأصول التعليمية، على هشاشتها، بواسطة العمليات المسلحة، فتصبح هذه الأصول غير قابلة للاستخدام التعليمي تماما نظرا لتدميرها الكلي أو الجزئي أو بسبب الاستيلاء عليها من طرف المسلحين لاستعمالها لأغراض قتالية.
- نزوح أو لجوء عدد كبير من السكان بما فيهم الأطفال، هربا من ظروف النزاع وبحثا عن أماكن آمنة حيث يمكنهم الحصول على الحماية والمساعدة، وقد لا يعني وصولهم إلى أماكن آمنة استفادة الأطفال من حقهم في التعليم بالضرورة.
- عجز الدولة الكامل على توفير الخدمات التعليمية في المناطق الساخنة أو التي فقدت السيطرة عليها وهي غالبا ما تكون مناطق مهمشة وقد يكون هذا التهميش هو السبب الرئيس وراء إثارة النزاع. وفي سياقات النزاع، تولي الدول اهتماماتها الرئيسة للقضايا الأمنية والعسكرية، وكذلك الشأن بالنسبة للجهات المسلحة الأخرى غير النظامية التي تسيطر على بعض المناطق فيقع بالتالي تحت ولايتها جزء من السكان مع ما يترتب على ذلك من التزامات من طرف هذه الجهات وفقا للقانون الدولي الإنساني.
ظل الاهتمام بالاحتياجات التعليمية في سياق النزاعات محدودا جدا مقارنة بباقي الاحتياجات الإنسانية الأساسية كالصحة والمأوى والغذاء وغيرها. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أن 2% فقط من المساعدات الإنسانية تخصص للتعليم. إنها نسبة جد هزيلة إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الاحتياجات التعليمية الذي تعكسه الأعداد المتزايدة للأطفال ضحايا النزاعات عبر العالم، حيث يمثل الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع 50% من إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالتعليم عبر العالم.
إن إهمال التعليم أثناء النزاعات يزيد في تفاقمها بشكل تلقائي أثناء وبعد النزاع. ولعل من أهم المضاعفات الناجمة عن عدم الاهتمام بتعليم الأطفال أثناء النزاعات ما يلي:
- تعريض الأطفال لمزيد من مخاطر الأمن والسلامة التي بإمكانهم تفاديها لو استفادوا من حقهم في التعليم، حيث تشمل هذه المخاطر التعرض لمخاطر العمليات العسكرية كالألغام الفردية، ومخاطر التجنيد، والاستغلال الجنسي، والعمل القسري وأعمال السخرة، والاتجار بالأعضاء وغيرها.
- ارتفاع كلفة التعافي وإعادة البناء، حيث ترث الحكومات بعد نهاية الأزمات جيلا غير متعلم تحتاج لاستثمار موارد مالية كبيرة ووقتا أطول من أجل إعادة تعليمه وذلك على حساب جهود التعافي وإعادة الإعمار والتنمية والاستقرار.
- زيادة مخاطر الانزلاق في دوامة أزمات عبثية لا تنتهي بسبب فقدان التربية على المواطنة التي يضطلع التعليم بدور رئيس في ترسخيها في نفوس النشأ.