دراسة : التعليم في فترات النزاع : لمحة عامة (3)

عبد ربي بن صحراء
2020-09-27

قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن نتائج جهود تحقيق أهداف التعليم في فترات النزاع بالنظر لأجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، ولكن النتائج الجزئية للثلث الأول من هذه الخطة لا تبشر بخير في ظل تفاقم النزاعات في مناطق مختلفة من العالم خصوصا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجنوب آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء. يضاف إلى هذا التحدي جائحة كورونا التي عصفت بالعالم خلال هذه السنة وتداعياتها المدمرة على الاقتصاد العالمي مما قد يحد، بشكل كبير وعلى مستوى بعيد المدى، من إمكانيات تمويل التنمية والعمل الإنساني عبر العالم.

إذا كانت مسؤولية ضمان الحق في التعليم لفائدة الأطفال ضحايا النزاعات تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات بحكم ولايتها القانونية، فقد أثبتت التجربة أن هذه الحكومات غير قادرة بمفردها على ضمان هذا الحق خصوصا التعليم في فترات النزاع . لهذا فإنها غالبا ما تلجأ للاستفادة من آليات التضامن الدولي ذات الصلة.

ولا يمكن إنكار التطور المستمر الذي تشهده ممارسة نظام التضامن الدولي تجاه مسألة التعليم في حالة النزاعات، وذلك بغض النظر عن نجاعة هذه الممارسات في تحقيق الأهداف المرجوة. بالإضافة للأجندات والخطط التي تمت الإشارة إليها سابقا، تتظافر جهود جهات مختلفة في مجال التعليم أثناء النزاعات، ويمكن الإشارة في هذا الصدد للجهات التالية باختصار شديد.

  1. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بحكم رسالتها المتعلقة بتسخير التعليم في خدمة السلام العالمي.
  2. المفوضية السامية للاجئين باعتبارها الجهة الأممية المسؤولة على مساعدة وحماية اللاجئين والسعي نحو أيجاد حلول دائمة لهم.
  3. صندوق الأمم المتحدة للطفولة كجهة اختصاص عالمي في قضايا الطفولة.
  4. اللجنة المشتركة ما بين الوكالات IASC التي تحدد السياسات المتعلقة باستجابة الأمم المتحدة للكوارث والأزمات بما في ذلك قرارات إنشاء الاجتماعات العنقودية Cluster Meetings والتي يعتبر التعليم أثناء الطوارئ واحدا منها.
  5. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق العمل الإنساني الذي يتولى مسؤولية التنسيق بين مختلف الفاعلين أثناء الاستجابة الإنسانية.
  6. الشبكة ما بين الوكالات للتعليم أثناء الطوارئ، وهي الجهة التي طورت مجموعة من المعايير الأساسية لخدمة التعليم أثناء الطوارئ على غرار المعايير الإنسانية الأساسية التي طورت في إطار مبادرة “أسفير”. وقد تم شملت هذه المعايير ثلاث محاور رئيسة تتعلق بالمشاركة، والتنسيق والتحليل.
  7. إضافة لمجموعة من المنظمات غير الحكومية التي أثبتت جدارتها كجهات متخصصة في التعليم في فترات النزاع مثل مؤسسة التعليم فوق الجميع، ومنظمة أنقذوا الأطفال.


تصطدم جهود التعليم أثناء النزاع بمجموعة من المعيقات والتحديات لعل من أهمها

  1. ضعف الاعتمادات المخصصة للتعليم من طرف الجهات المانحة، فقد أسلفنا سابقا أن ما ينفق على التعليم أثناء النزاعات لا يزيد على 2% من إجمالي المساعدات الإنسانية.
  2. ندرة المدرسين، حيث تؤكد الإحصائيات أن مجتمع النازحين واللاجئين يفقد 70% من المدرسين الأكفاء نظرا لما يتمتع به هؤلاء من قدرات تمكنهم من البحث بسرعة عن حلول دائمة مما يجعل المجتمعات ضحايا النزاعات تفتقر للكفاءات البشرية المتمرسة في مجال التعليم فتضطر مرغمة للاستعانة بموارد بشرية غير مؤهلة وهو ما يؤثر على جودة التعليم.
  3. بروز الصراع حول الهوية بسبب المناهج التعليمية خصوصا في المجتمعات المتعددة الإثنيات والثقافات، حيث يثير استخدام أي منهج تعليمي جدالات واسعة بل وصراعا بين الفرقاء بالنظر للخصوصيات الهوياتية لمختلف مكونات المجتمع.
  4. استهداف الأصول التعليمية بواسطة العمليات العسكرية مما قد يعرض مستخدميها للخطر.
  5. صعوبات اعتماد الشهادات الممنوحة من طرف مدارس اللاجئين والنازحين.
  6. ضعف قدرة الأنظمة التعليمية للدول المستضيفة على استيعاب كل أعداد الأطفال اللاجئين.

تكاد لا توجد تجربة واحدة في مجال التعليم أثناء النزاعات يمكن الجزم بأنها استطاعت التغلب على كل هذه العوائق لتضمن الحق في التعليم لكل الأطفال ضحايا النزاع خصوصا تلك التي دامت طويلا..

وفي هذا الصدد يمكن استحضار حالات النزاع في كل من الكونغو، وأفغانستان، ومالي، وسيراليون، واليمن، ونيجيريا، وسوريا، والعراق، والسودان، وميانمار وغيرها، لنقف على مستوى الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الأطفال نتيجة حرمانهم من حقهم في التعليم.

بالمقابل، تبقى تجربة الأونروا من الممارسات النادرة التي حققت نجاحات مهمة في مجال ضمان الحق في التعليم في فترات النزاع والتي يمكن الاستلهام منها بالرغم من السياق الخاص الذي تتميز به القضية الفلسطينية. لقد أنشئت الأونروا سنة 1949 من أجل غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فتمكنت هذه المؤسسة من وضع التعليم على سلم أولوياتها فأنشأت شبكة من المدارس في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن لتمكين الأطفال الفلسطينيين ضحايا الاحتلال الإسرائيلي من حقهم في التعليم.

وقد بلغ عدد المسجلين في هذه المدارس خلال الموسم الدراسي الأخير 2019-2020 حوالي 534 ألف طالب.

عبد ربي بن صحراء
خبير لدى قطر الخيرية
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق