تنبع أهمية التدريب المهني والتطوير المستمر للعنصر البشري داخل المنشأة، من أنه يعمل على تنمية معارفه وتوسيع مداركه، وترقيه مهاراته وترشيد توجهاته، وتهيئته للمواكبة المستمرة. سيما وأن التطورات متسارعة جدا في عالم يعج بالجديد مع إشراقة شمس كل يوم.
فالمنظمات الخيرية والإنسانية في قلب هذا العالم تتأثر بالتجارب الرائدة في ميادين الأفكار والأعمال والمال والتكنولوجيا. وستظل كذلك بفضل اهتمامها بتحفيز وتدريب رأسمالها البشري، لإضفاء الحيوية والوعي المتقدم، لضمان الكفاءة والفعالية والإنتاجية المرتفعة.
ولا غرو في أن المنظمات الخيرية الكبيرة تولي التدريب والتنمية قدرا جيدا من الاهتمام، في سبيل ترسيخ الممارسات المؤسسية الرشيدة، وتقديم المبادرات الإبداعية والمشاريع التنموية النوعية، في ظل تعاظم المسؤوليات وتقاطع الأدوار الاجتماعية، وتنافس المؤسسات لتقديم الأفضل في شتى ميادين العطاء، نتيجة لمحدودية الموارد بطبيعة الحال.
توجهات استراتيجية
يطالب رواد التدريب الحديث أن يرقى الاهتمام بالتدريب في أي منشأة. ليصبح رديفا لتنمية الموارد والتطوير المؤسسي، ويحتل المكانة المناسبة كجزء أصيل من استراتيجية أي منظمة.
لكونه مسؤولية مشتركة بين جميع الإدارات بما فيها الإدارة العليا، رغم تركيزه على الموظفين التنفيذيين باعتبارهم المستفيد الأول منه، ثم بدرجة أقل القادة والمشرفين.
ولذلك من الضروري أن يتسم التدريب في المنظمات الخيرية بشمولية الهدف لمعالجة الضعف وتقوية نقاط القوة، ضمن عملية مستمرة لسد ثغرات الحاضر والتنبؤ لمتطلبات المستقبل. خاصة العمل الميداني ومجالات التدخل الإغاثي والإنمائي.
كما يفرض التدريب الحديث ارتباط أهدافه بالكفايات أو القدرات الأدائية، وتوجيه أدواته المنهجية نحو تنمية قدرات المستهدفين من التدريب.
ومركزا أيضا على أداء مهام وممارسة أعمال محددة بمستوى إتقان معين ضمن الوظيفة، ومستخدما أحدث التقنيات والوسائل الإلكترونية.
والحقيقة أنه لا غنى عن التدريب التقليدي ولا يمكن أن تختفي مراكز التدريب التقليدية. ولكن يجب مواكبة الفرص التكنولوجية والحلول الجديدة قليلة التكلفة عظيمة الفائدة.
فمن سمات التدريب الحديث تكريس التطوير في ثنايا المنظمة المتعلمة، بحيث يصبح الهم المشترك بين جميع العاملين والمشرفين عليهم وعلى عاتق القيادة العليا تقع مسؤولية إيجاد الفرص الكافية والعادلة.
التدريب عن بعد : خيار يفرض نفسه
لا شك أن الجميع يطرح التدريب عن بعد خيارا متاحا ومريحا في الوقت الحالي. نسبة إلى للمزايا العديدة التي يتقدم بها على التدريب التقليدي. مثل التقليل من التكلفة للحد الأنى وربما بتكلفة لا تكاد تذكر، وسهول الوصول لأكبر عدد من المستفيدين في نفس الوقت.
بينما يتيح كذلك للأفراد والمجموعات الاستفادة من بعضهم وتدوير معارفهم ومهاراتهم ضمن ما يعرف بالتدريب أثناء العمل.
ويظل التدريب عن بعد الخيار المناسب للمنظمات العاملة على النطاق العالمي. حيث فرض نفسه بقوة وصار هو الخيار الوحيد جراء الأزمة الحالية، المتمثلة في التباعد ومنع التجمعات البشرية، ضمن الاجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس Covid19 الذي اجتاح العالم. وظهرت في الوقت نفسه منصات وتطبيقات تخدم الغرض تماشيا مع الحاجة الآنية.
ضوابط
ولنجاح عملية التدريب عن بعد يجب التأكد من فاعلية الجهة القائمة بالتدريب أو مستوى كفاءة المدربين. إضافة إلى دراسة الاحتياجات التدريبية الفعلية للمستفيدين من النشاط التدريبي. حتى يتسنى مراعاة جميع الجوانب أثناء التخطيط لسد الفجوة الأدائية بتصميم مواد تدريبية محددة بدقة كماً ونوعاً.
كما يلزم التأكد ابتداءً من توفر الإنترنت بشبكة قوية، وحداثة الأجهزة المزودة بالكاميرا والسماعة. إضافة إلى اختيار المنصة التي توفر مزايا مناسبة للتدريب عن بعد. فالتدريب عبر هذا المجال يختلف عن الاجتماعات واللقاءات المباشرة.
ويفضل توفير أكثر من منصة أو تطبيق إلكتروني بالتزامن، تحوطا لأي توقف مفاجئ أو بطء أو تقطع يظهر أثناء اللقاء الافتراضي المباشر. خاصة عند تنظيم برامج تدريبية تستهدف مشاركين من عدة دول وقارات تختلف بينها جودة وقوة الشبكة العنكبوتية.
والأهم في عملية التدريب عن بعد أنها في سياق منظومة إلكترونية متكاملة، تشمل جميع الضوابط الإجرائية للتسجيل والالتحاق وتأكيد الحضور بصورة مستمرة، وتوفير المواد التدريبية والعروض التقديمية.
ناهيك عن تنفيذ التدريبات والواجبات المباشرة للمتدربين، مع توفر الإشراف الفني عليها من قبل المدرب المعتمد وأخصائي التدريب.
كما تشمل المنظومة إجراءات المتابعة الآنية والتقييم القبلي والبعدي، وصولا إلى التوثيق الكامل وتقرير الانجاز النهائي، الذي يتم بناءً عليه قياس الأثر والعائد من التدريب لاحقا.
المقال منشور في العدد 23 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة