يشقّ اليافع “إدهام يرثني” طريقه بخطى واثقة نحو التميز والإبداع في مجال الميكانيكا بجانبيها العلمي والعملي (الحرفيّ). متطلِّعا لأن يكون في المستقبل مهندسا في مجال الآلات ذاتية الدفع في بلده أندونيسيا، دون أن يعيقه اليتم عن شغف التعلّم والتركيز فيه، وتحقيق المزيد من النجاحات خلاله، وحصد ثناء معلِّميه ومدرِّبيه.
نبوغ مبكِّر
ولد “إدهام يرثني ” في مدينة “بندا أتشيه” بأندونيسيا عام 2001، وتوفي والده في نهاية المرحلة الابتدائية للابن إدهام.
وقد بدأت علامات النبوغ الحِرفِي في مجالي الميكانيك والالكترونيات على إدهام منذ أن كان في المرحلة الابتدائية. فقد كان يحبّ إصلاح الأجهزة والأدوات التي تصاب بالأعطال في بيته، كالتلفزيون وجهاز عصير الفواكه والدراجات الهوائية.
وتذكّر أنه قام ذات مرة بفكّ قطع صالحة من درّاجة أخيه المعطّلة أصلا، واستخدمها لإصلاح الخلل في درّاجته، ليَخرُج منهما بدرّاجة سليمة، بدلاً من توقف الاثنتين عن العمل.
قبل نهاية المرحلة الابتدائية يفارق والد إدهام الحياة؛ فيصبح الطفل يتيماً دون معيل. لكن عناية الله تتداركه فتمتد له يد الكافلين عبر قطر الخيرية. حيث حظي بعناية ورعاية مشروع رعاية الايتام عبر مكتبها في جاكرتا، اعتبارا من عام 2013، وكان عمره آنذاك 12 عاما.
وقد تفوق إدهام يرثني في المدرسة المهنية الإعدادية، ثم في الثانوية. وحظي بثناء معلميه والمشرفين عليه الذين قالوا عنه: “يمتلك إدهام قدرة أعمق على الفهم النظريّ، ويداً ماهرة في المجال العمليّ مقارنة بزملائه في المدرسة.
كما وصفوه بالجريء جداً في ممارسة الجانب التطبيقي، ولديه إمكانية الإبداع وتصميم الأشياء الجديدة”، وتوقّعوا أن يصبح “مهندسا لامعا”.
يد ” إدهام يرثني ” الماهرة
يعتبر إدهام نفسه محظوظا لأن الكفالة كانت سببا في عدم عرقلة طموحاته ومواصلة مسيرة تميّزه. يقول: “كم أنا سعيد بهذه الكفالة. فقد أعانتني على متابعة تعليمي في المجال الذي أحبّه. فقد أنهيت الإعدادية المهنية، وأدرس حاليا في الفصل الثاني من المدرسة الثانوية المهنية ـ قسم الميكانيكا.
ومن قيمة الكفالة الشهرية أدفعُ تكلفة الرسوم الدراسية والأدوات المدرسية. خصوصا أنّ الرسوم في مثل هذه المدارس مرتفعة وأدواتها ومتطلباتها كثيرة”.
ويشير إلى أنه لم يكن لأسرته دَخلٌ بعد وفاة والده سوى مبلغ زهيد تجنيه أمه من وراء عملها خيّاطةً للملابس. ومبلغ هو بالكاد يكفي لتدبير أمور المعيشة الأساسيّة له ولأخوته الآخرين.
ومنذ أن وطئت قدماه الإعدادية المهنية في مدينته “بندا آتشيه” واهتمام أساتذته ينصبّ عليه، لما رأوه من علامات نبوغ لديه، وتفانٍ في إتقان ما يعهد إليه من علوم تطبيقية.
أما في المرحلة الثانوية فيقول المهندس إفريانتو رئيس قسم تعزيز كفاءة وقدرات الطلبة عنه: “إنّ إدهام يمتلك قدرة أعمق على الفهم النظريّ، ويدا ماهرة في المجال العملي مقارنة بزملائه في الفصل الدراسي الذي يدرس فيه.
كما أنه جريء جدا في ممارسة الجانب التطبيقي، ولديه إمكانية الإبداع وتصميم الأشياء الجديدة. منوها بأنه رغم ذلك متواضع يحبّ التعلم من أساتذته، ويقبل المقترحات من زملائه” منوها بأنه : ” على يقين بأنه سيكون مهندسا لامعا”.
موهبة حقيقية
ازداد حبّ إدهام للميكانيكا وتعلّق بها بصورة أكبر بعد التحاقه بالمدرسة الإعدادية. حتى أنه كان يقوم بعد الانتهاء من وقت المدرسة بالذهاب إلى ورشة ميكانيكية لإصلاح الدراجات النارية ليتدرّب ويزيد من خبرته ويتعلم بآن واحد. وليؤكد على الجدّ والمثابرة اللذين يغلبان على طبع الفتى إدهام ويطبعان حياته.
ويتابع حاليا مشواره بنفس الطريقة فور الانتهاء من المدرسة، ولكن في ورشة لإصلاح السيارات. وكالعادة ينال حظا وافرا من التقدير والاحترام من مالك الورشة الذي يؤكد أنّ إتقان هذا اليافع لعمله لا يقلّ عن الفنيين الذين مضى عليهم ثلاثة عقود في هذه المهنة، إن لم يكن يفوقهم.
ومما قاله ساني صاحب الورشة عن إدهام:”رغم أنه أصغر العاملين في الورشة سنّاً ، فإنه بعد أقلّ من شهرين على التحاقه بها بدأ ينافس قدامى العاملين فيها. وقد اكتشف سبب عطل في سيارة عجز الكبار عن اكتشافه! إنّه طفل موهوب بحقّ”.
يتطلع إدهام نحو المستقبل بهمّة وعزيمة وثقة بالله. ويأمل بعد الانتهاء من الثانوية أن يواصل الدراسة في كلية التقنيات الميكانيكية بالجامعة، ويتخصص في مجال مجال الآليات ذاتية الدفع ” أوتوموتيف”، كصناعة السيارات والآليات التي تشغل باستخدام الطاقة الشمسيّة. معتبرا أن ضياء الشمس لا يمكن أن ينفذ، فهو طاقة متجددة .
ردّ الدَين
ويشير إدهام بكثير من التقدير والاحترام لقطر الخيرية التي وعدته بدعم تعليمه الجامعي، ودعم مشروع فتح ورشة له بعد التخرج.
ويعترف بفضل أيادي الخير التي كفلته منذ عام 2013 ـ وما تزال ـ وما تحقق له من نجاح وتوفيق حتى الآن. يقول: ” لايسعني إلا أن أقول لكافلي جزاك الله خيرا على دعمك المتواصل.
ولا أملك لك إلاّ الدعاء الذي لا ينقطع لك بالخير والبركة بعد كل صلاة من صلواتي”. كما لاينسى أمه التي تتعب من أجله، وتقف ـ وما تزال ـ بجانبه وجانب إخوته، محفوفا ببركة دعائها قائلا: ” تقف الكلمات عاجزة عن شكرها وردّ الجميل لها”.
كما لا ينسى إدهام أقرانه من الأيتام. مؤكِّدا بحماس أنه يعتزم من خلال الورشة الميكانيكية التي سيقوم بإنشائها بعد تخرجه من الثانوية أو الجامعة تعليم وتدريب الأيتام من أبناء بلدته، ونقل خبراته لهم خصوصا في مجال ” الأوتوموتيف” بإذن الله، كي يجدوا ما وجده من دعم ومساندة، معتبرا أن هذا دين في عنقه.
المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن