المسنة التي اجتمعت حولها مآسي النزوح والفقر والمرض

2020-10-04

“يا ابني أصعب من ها الأيام ما مر علينا “.. بهذه الكلمات الممزوجة بالآهات والمخنوقة بالعبرات اختصرت الحاجة أم فاطمة الطاعنة في السنّ معاناتها بعد أن اضطرت لترك بلدة البارة جنوب محافظة إدلب التي تقطن فيها لتصبح نازحة في مخيمات شمال سوريا.

أربعة وثمانون عاماً رسمت على وجه الحاجة تجاعيدها وأثقلت حركتها وتركت آثار العمل بالزراعة على يديها، بعد ان اجتمعت آلام المرض عليها مع قهر النزوح والفقر.

مأساة جيلين في حياة أم فاطمة

قضت الحاجة أم فاطمة قرابة الستين عاماً مع زوجها في منزلها ببلدة البارة. ثم توفي زوجها ليتركها وحيدة تصارع الحياة، بل وتحمل إلى جانب مأساتها مأساة جيلين كاملين جيل الأبناء (بناتها) والأحفاد يشاركونها المعاناة.

نزحت أم فاطمة من منزلها، لتترك خلفها قبر زوجها وذكريات منزلها الذي أمضت سنوات في بنائه بالحجارة والطين برفقة شريك حياتها، لينتهي بها المطاف في خيمة ضمن مخيمات الشمال السوري.

تحدثنا أم فاطمة عن رحلة خروجها ” بعد أن ضاق بنا الحال خرجت أقصد الله و أهل الخير ان يخرجوني معهم من البلدة فليس لديّ معيل غير الله “.

وتابعت حديثها وهي تصف حالها بالمخيمات ” وصلت أنا و عائلة ابنتي المتزوجة الى المخيمات و جلسنا بخيمة واحدة قرابة الشهر. وبعد مدة توفرت لنا خيم إضافية فأخذت خيمة مستقلة لأسكن فيها قرب بنتي. 

ورغم ذلك فأنا لا أستطيع تحمل الحر داخل الخيمة، فأخرج كل يوم تحت الأشجار القريبة حتى المساء”.

وأضافت :” يا ابني أصعب من هالأيام ما مر علينا. ورمضان الماضي أصعب رمضان بحياتي، لأنه ما تعلمنا طول عمرنا ننتظر وجبة الإفطار من أحد. كنا نحن نعمل فطور ونوزع على الجيران”.

أمنية قبل الموت

وعند سؤالها عن أولادها تابعت حديثها قائلة ” رُزقت بأربع بنات، كبرن وتزوجن جميعهن والحمد لله. ومع نزوحنا أويت إلى أصغرهن فسكنت معها في المخيم. وهي من تقوم على رعايتي. ومنذ سنة ترمّلت أكبرهن ولديها 9 أيتام تعيش معهم في مخيم بعيد عني.

والثانية توفي زوجها بقصف أثناء نزوحهم منذ شهرين تقريبا وليس لديها أطفال. وهي معي في الخيمة لتكمل العدة الشرعية فليس لدى أهل زوجها مكان يسعها.

والبنت الثالثة لا أعرف أخبارها أو بأي أرض تعيش. والله ما أتمنى اليوم غير نجتمع آني وبناتي سوا قبل ما الله يأخذ الأمانة “. وعندما لفظت هذه العبارة تأثرت الحاجة أم فاطمة ثم أجشهت في البكاء.

يتسبب هذا الوضع المؤلم في تدهور صحتها وفقد العين التي تبصر بها.. تخبرنا عن ذلك ونحن نشفق عليها من هول ما نسمع: “من شدة الألم والقهر ارتفع معي ضغط الدم الى أن فقدت إحدى عيني ولم أعد أستطيع الرؤية من خلالها.

حاولت علاجها لكن لا أملك المال لذلك. وقد حذرني الأطباء من توقف العين الأخرى بسبب الإهمال لكن ليس بيدي حيلة”.

تتقاسم آلام جيرانها في المخيم

تزيد أحوال الناس المتعبة من حولها  في المخيم حياتها بؤسا. وكأنها تتحدث عن مقبرة حقيقية فتقول: ” حال المخيم و أهله كالأموات لا حول لهم ولا قوة. فكلهم خرجوا من بيوتهم بملابسهم فقط، ولا يملكون قوت يومهم. الرجال عاطلون عن العمل ولا يوجد عمل أصلا حتى يعملوا به.

أما النساء فيشعلن النار للطبخ والغسيل، ولا تصلنا المساعدات إلا الماء وهذه السلة الغذائية التي وصلتنا منكم ورحمة الله. وجميع أهل المخيم فقراء فإذا وصلتهم الإغاثة أكلوا وإذا قطعت عنهم نامو هم وأطفالهم جياع.

أما مياه الصرف الصحي فتجري بين الخيم مسببة روائح لا تطاق والحشرات تأكل أجسادنا ليلا. باختصار نحن نعيش في مقبرة”.

قصة أم فاطمة وبناتها واحدة من آلاف القصص التي تحمل بين طياتها عذابات النازحين، وأنات كبار السن الذين أثقلتهم الأمراض المزمنة دون أن يلتفت إليهم أحد او يحس بأوجاعهم. وصاروا يعيشون على أمل أن يتذكرهم أهل الخير والمحسنون باعتبارها من الشريحة الأكثر ضعفا وهشاشة.

المقال منشور في العدد 23 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق