بسبب موجات المدّ البحري” تسونامي” التي ضربت أجزاء ساحلية واسعة في جنوب شرق القارّة الآسيوية عام 2004 فقدت الطفلة “بوتري أيو أندرا” من إقليم آتشيه بأندونيسيا والدها. لكن معاناة اليتيم التي مرّت بها لم تمنعها من التفوق في دراستها. إذ نجحت في دخول كلية الهندسة بجامعة “سياه كوالا”. وهي جامعة لا تقبل إلا المتميّزين دراسيا. كما لم يحل تفوقها العلمي بينها وبين حفظ كتاب الله. بل وتعليمه لأطفال قريتها تطوّعيا. ناهيك عن تطوير مواهبها وقدراتها ومنها الخطّ العربي.
رحلة اليتيمة “بوتري” مع التفوق الدراسي بدأت منذ الصغر
قصة النجاح التي اقتبسناها من كتابة – شهد النجاح – تخص اليتيمة بوتري. فقد وفرت لها قطر الخيرية الكفالة منذ أن كانت في الصف الأول الابتدائي حتى انتهائها من المرحلة الثانوية. ثم منحتها كفالة طالبةَ علم في المرحلة الجامعية بدءا من العام الأكاديمي (2017 ـ 2018).
وقد كان لذلك الأثر الكبير في بلوغ النجاح الذي حققته حتى الآن. خاصة أن قطر الخيرية تحرص على إعطاء الأولوية في كفالات طلبة العلم للأيتام المتفوقين دراسيّا، وذلك بعد بلوغهم سنّ الثامنة عشرة.
وتقول بوتري إنّ مبلغ الكفالة الشهري كان خير معين لها في دفع الرسوم الدراسية وشراء الزيّ المدرسي والكتب والدفاتر والقرطاسية اللازمة. ناهيك عن دخول دروس التقوية عند اللزوم.
كما ساعدها هذا المورد في التركيز في تحصيلها العلمي، وتطوير مواهبها وقدراتها. ودفع عنها وعن أسرتها شبح الحاجة والعوز، بعد أن فقدوا المعيل منذ أن كانت طفلة صغيرة بسبب “تسونامي”.
كانت بوتري في عداد المتفوقات طيلة سنوات دراستها في المرحلتين الأساسية والثانوية. لكن الفرحة لم تسعها عندما تم قبولها في قسم التقنيات بكلية الهندسة ـ جامعة شياه كوالا، لأنها الجامعة التي لا تقبل سوى المتفوقين من الطلبة.
الخطّ العربي
لكن لم يقتصر تفوّق اليتيمة بوتري على الدراسة فحسب. بل شمل تميّزها جوانب أخرى. فقد تمكّنت بهمتها العالية من حفظ كتاب الله الكريم بل ولم تكتف بذلك بل أصبحت تقوم بتعليمه لأطفال قريتها في أحد معاهد تحفيظ القرآن، اقتداء بالحديث النبوي: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه”. كما أنّها صاحبة مواهب وقدرات متعددة. فهي تجيد مهارات نسج الحقائب، والحياكة، وتنسيق الزهور. لكنها تتميّز أكثر في فنّ الخط العربي، الذي أحبته وتعلّمته منذ الصغر. وفازت في أكثر من مسابقة للخط العربي شاركت فيها خلال السنوات الماضية.
تتطلّع بوتري بثقة نحو المستقبل. وتأمل أن تواصل دراستها العليا بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية لتكون أستاذة جامعية. كما تنوي مواصلة جهودها التطوعية في تعليم الأطفال القرآن الكريم. وتقوم بتدريبهم على المهارات التي تجيدها. كما ترجو أن يتاح لها رعاية بعض الأيتام وكفالتهم، بشكل خاص. مثلما هيأ الله لها من يكفلها منذ أن كانت صغيرة.
تفتخر بوتري بأمها التي أنجبتها والتي ضحت وسهرت وتعبت في تحمل أعباء تربيتها وتربية إخوتها وأخواتها والمسؤولية عن إدارة البيت لوحدها بعد موت والدها. وتدعو الله أن يمكّنها من إسعادها ورعايتها. وأن يجعل جنة الفردوس مثواها يوم لقائه سبحانه وتعالى.
أمنية غالية … لقاء الأسرة التي كفلتها
لبوتري أمنية تودّ لو أنها تتحقق. أمنيتها أن تلتقي بالأسرة التي كفلتها لتقدّم لها عميق امتنانها وجزيل شكرها لقاء ما قدمته ـ وتقدمه ـ لها. وإن كانت تدرك تماما أنّ الكلمات تبقى عاجزة عن إيفاءها ما تستحقّ من تقدير وعرفان بالجميل.
كما لم تنس بوتري شريحة الأيتام ـ التي هي جزء منهم ـ في غمرة حديثها. بل قدّمت لهم نصيحة مؤثرة في كلمات قليلة من واقع خبرتها التي مرّت بها فقالت لهم:
” كونوا فخرا لوالديكم ولمن كفلكم وأحسن إليكم. فحتى وإن كنا أيتاما أو أبناء أسر فقيرة فإننا بالعلم والمثابرة نكون أقوياء، وعناصر نافعين لأوطاننا وأمتنا.”
المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن