موسى فاضل.. كافل من تحت مظلة الكفالة

2020-10-26

رغم أنّه من أسرة فقيرة، ذات إمكانات بسيطة، لا تكاد تكفي لتغطية احتياجاتها الأساسية. إلاّ أن هذا الأمر لم يحلْ بين الشاب الإندونيسي “موسى فاضل” وبين تحقيق طموحاته متحدِّيا كلّ العقبات، والارتقاء في سُلَّم التعليم الأكاديمي حتى بلوغ آخر درجة فيه” الدكتوراه”. ليس هذا فحسب؛ بل تمكّن رغم محدودية ذات يده من الأخذ بأيادي مجموعة من طلبة قريته. مذلّلا لهم كل المصاعب الماديّة وغير الماديّة من أجل مواصلة مشوارهم الجامعي. مستعينا على القيام بذلك بجزء من قيمة الكفالة التي تمنحها له قطر الخيرية لكونه طالب علم. والعمل الذي يقوم إلى جانب الدراسة، ووساطته لدى أهل الخير، والاقتراض أحيانا، ليجمع بذلك بين كونه كافلاً ومكفولاً بآن واحد، وليؤكِّد أن عمل الخير ومساعدة الآخرين رسالة سامية يُمكن أن يؤديها حتى مَن هم بحاجة إلى العون والمساندة. 

عامل بناء

ولد فاضل موسى في قرية “سانغو أتشيه جايا” عام 1987 لعائلة فقيرة. وهو الابن الثاني من أربعة أشقاء ، تأثّرت أسرته من جراء كارثة تسونامي التي ضربت أندونيسيا بشكل كبير نهاية عام 2004، وخصوصا مدينة “بندا أتشيه” ، وكان في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية آنذاك. وقد فقد جراء ذلك أمّه وأخته الصغير. ثمّ توفي أبوه في عام 2014 ، وترك زوجته الثانية وولدين صغيرين كلاهما في الصف الأول والثاني في المرحلة الابتدائية. ليزيد من وطأة التحديات التي تواجه موسى الذي كان مصّرا بهمته العالية وعزيمته القوية على ألاّ يتوقّف عن رحلته في طلب العلم، مهما كانت الظروف.

أكمل موسى دراسته الابتدائية والإعدادية في قريته التي تقع على بعد 80  كيلومترا من مدينة” باندا اتشيه”، وتأخذ ساعتين بالسيارة، ثم أكمل المرحلة الثانوية في منطقة أخرى.

اقترحَ عليه والده الراحل عدة مرات بأن يترك الدراسة ويتفرّغ للعمل بسبب أوضاعهم المعيشية التي تحول دون تفرغه لمواصلة الدراسة وتوفير احتياجاتها. ولكن حب فاضل موسى للعلم جعله يجمع بين الأمرين. فقد يعمل لوقت محدّد، ثم يستأنف مسيرة الدراسة.

عَمِل موسى في حقول مختلفة، كان منها ما هو شاقّ، دون أن يتردد. حتى أنّه اضطر غير مرّة للعمل عامل بِنَاء، كما قام بالتعليم في مجال الدروس الخصوصية، والعمل في مصنع مفروشات.

تقديرات مرتفعة

يشاء الله لموسى وهو يدرس في السنة الثانية من كلية التربية بجامعة “الرانيري” الحصول على كفالة طالب علم من مكتب قطر الخيرية بأندونيسيا. لتعينه على التركيز العلمي بصورة أكبر، وإنجاز المرحلة الجامعية، ثمّ درجة الماجستير في وقت قصير. ليشرع بعدها مباشرة في دراسة الدكتوراه التي يوشك على الانتهاء منها قريباً. محقِّقا بذلك إنجازا علميّا قد يعجز عنه كثير من الطلاب الذين عاشوا وتربّوا في أسر ميسورة الحال.

يعبّر موسى عن امتنانه الكبير للكفالة التي منحت له. معتبرا أنها  خففت عن كاهله التفكير بتوفير أعباء المعيشية الأساسية. وأعانته على إنجاز دراسته الجامعية. ثم إنجاز متطلبات درجة الماجستير وكتابة ومناقشة الأطروحة الخاصة بها. مع الحصول على تقديرات عالية في ختام كلّ سنة أكاديمية. فضلا عن تمكنه من تخصيص جزء من وقته لتقديم المحاضرات والندوات في الجامعات والمدارس خلال هذه المدة. في إطار القيام بواجبه في التثقيف والتوعية والإرشاد، خدمةً لمجتمعه.


شاهد أيضاً: حكاية السوداني أحمد عبد المنعم مع قطر الخيرية … من يتيم إلى كافل أيتام

آخر محطات موسى فاضل: التحضير لنيل الدكتوراه

وصل موسى حاليا إلى المرحلة الأخيرة من دراسة الدكتوراه في قسم التربية الإسلامية بإحدى جامعات آتشيه المرموقة. وهو منشغل بكتابة الرسالة الخاصة بهذه الدرجة العلمية. ويأمل أن يعينه الله على الحصول على بعض المراجع والمصادر المهمّة الضرورية لها، كي ينجزها بشكل نهائي ويناقشها في نفس العام. 

 لا يكتفي موسى بالإصرار على التعلّم والاجتهاد في الوصول إلى أعلى درجة جامعية بمفرده. بل يشجِّع ويساعد ويساند غيره من الأيتام وأبناء الاسر المحتاجة ممن يملكون الرغبة والإرادة. كيلا يتسبب الفقر والعوز بتوقفهم عن متابعة تعليمهم الجامعي، أو يحبسهم عن تحقيق أحلامهم وبناء مستقبلهم الواعد. ويعزو موسى هذا الإصرار إلى القيمة السامية للعلم، ودوره في النهضة والتنمية. والمكانة التي ترقى بأصحابه عند الله والناس قائلاً: ” يقف وراء همّتي على المستوى الشخصي وسعيي الحثيث لتشجيع غيري على التعلّم قول الله سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)ـ المجادلة:11″ 

الاقتراض الجميل

يشعر موسى بسعادة العمل الإنساني ولذّته وذلك بعد أن تمكّن حتى الآن من كفالة أربعة طلبة جامعيين. تخرّج اثنان منهما الأول من كلية التربية، وقام بافتتاح حضانة للأطفال في قريته. بينما تخرج الآخر من كلية الاقتصاد وهو يعمل موظفا في أحد بنوك مدينة “آتشيه”.

فيما يتابع الآخران دراستهما. أحدهما في تخصص الاقتصاد، والآخر في مجال الصحافة والإعلام. ويخبرنا بأنّ الكفالة كانت تشمل تغطية رسوم دراستهم وتوفير احتياجاتهم الجامعية الأخرى وإقامتهم ومتطلباتهم المعيشية أيضا. مُوضِحا بأنه يعتمد في ذلك على راتبه مدرّسا في الجامعة بعد حصوله على الماجستير.

فضلاً عن كفالة قطر الخيرية والأعمال الأخرى التي يقوم بها خارج الجامعة ومن مساعدات أهل الخير. ويشير إلى أنه يضطر إلى أن يقترض أحيانا لتغطية احتياجات هذه الكفالات.

مشروع المستقبل

بعد الانتهاء من الدكتوراه سيواصل موسى عمله في التدريس الجامعي، ويتطلّع أيضا إلى أن يعينه الله على إقامة مشروعه الخيري في المجال التربوي. حيث يطمح في تأسيس مدرسة متكاملة تتضمن قسماً داخليا لإقامة الطلبة. وذلك لتتيح التعليم الجيّد للأيتام وأبناء الاسر الفقيرة بالمجان. “كي يجدوا ما وجده غيرهم من لذّة العلم والتعلّم في المدارس والمعاهد الأخرى” كما أخبرنا.

باختصار..”موسى فاضل” نموذجٌ مُلهِم للشغف بالعلم والتحصيل العلميّ، وتحدي الفقر الذي قد يحول دون بلوغ درجاته العالية، وحبّ الخير للغير،  كي يعمّ النفع، وترتقي المجتمعات به.


المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق