كفالة اليتيم من أعظم وأجل الأعمال الصالحة. فضله مستمر ولا ينقطع بإذن الله تعالى. لأن اليتيم من أشد الناس حاجةً لمن يرعاه ويكفله. كما أنها استثمار حقيقي للإنسان. فكل ما يعمله ذلك اليتيم من عمل صالح حياته. بل ما يخلفه من أثر صالح بعد وفاته. فهو في ميزان حسنات كافله. ولذلك فهو من أفضل الأعمال عند الله تعالى. يقول ابن القيم: “وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرَّة”. وقد جاءت جملة من النصوص الشرعية التي تبين فضلها من كلام الله تعالى. بالإضافة لما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم في فضل وشرف كفالة اليتيم.
في مقال “فضل كفالة اليتيم” ستتعرف على:
- 1* كفالة اليتيم صفة الأبرار الصادقين
- 2* سبب لدخول الجنة والنجاة من النار
- 3* كفالة اليتيم سبب لتجاوز العقبة المانعة من دخول الجنة
- 4* مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
- 5* كفالة اليتيم شفاء لقسوة القلب وغلظته، وسبب لقضاء الحاجات
- 6* ثواب المجاهد في سبيل الله تعالى، والصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي يصلي ولا ينام
- 7* فضل كفالة اليتيم: سبب لإكرام الله تعالى للكافل
- 8* كفالة اليتيم سبب عظيم للرزق والنصر
1* كفالة اليتيم صفة الأبرار الصادقين
يقول سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ..} الآية.. [البقرة: 177]
فتدل الآية على أن الإنفاق على اليتيم وكفالته من أعظم أبواب البر. وأنها من الصفات المهمة التي تميز المؤمن الحقيقي ممن يدعي الإيمان. ولكن لا تظهر خصال الإيمان وشعبه على جوارحه. ومن أعظمها كفالة اليتيم.
وهذا المعنى أكده في سياق ذكر صفات المؤمنين الأبرار في سورة الإنسان. قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8].
2* سبب لدخول الجنة والنجاة من النار
قال الله تعالى عن أهل الجنة الناجين من دخول النار: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 8 – 11].
3* كفالة اليتيم سبب لتجاوز العقبة المانعة من دخول الجنة
وقد ورد ذكر تلك العقبة المانعة من دخول الجنة في سورة البلد. قال الله تعالى: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}. إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [البلد: 11- 18].
فالله تعالى يحثّ عبر هذه الآيات عباده على إنفاق مالهم على شتى أعمال البر. ومنها إطعام الجوعى من الأيتام، وبالأخص ذوي القرابة منهم، والمساكين الذين يعجزون عما يشبعهم ويسد جوعهم. وخاصةً في أوقات المجاعات؛ حتى يتمكن من تجاوز العقبة التي تحول بينه وبين دخول الجنة. وقد فسرت العقبة بأنها الذنوب والمعاصي، وقيل الصراط، وقيل جبل في جهنم، وقيل دركات النار، وقيل غيرها. وكلها معانٍ محتملة والله أعلم.
4* مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
وأجلّ فضل هو ما ثبت في الصحيحين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى).
وفي رواية مسلم: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى).
أي سواء كان قريبه أم لم يكن قريباً له. قال ابن بطال: “حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك”.
جاء في فتح الباري أنه “لعلَّ الحكمة في كوْن كافِل اليتيم شُبِّهت منزلته في الجنة بالقرْب من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. لكون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شأنه أن يُبعَث إلى قومٍ لا يَعقِلون أمر دينهم، فيكون كافلاً لهم، ومعلِّمًا ومرشِدًا. وكذلك كافِل اليتيم. يقوم بكفالة مَن لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه، ويُحسِن أدبه، فظهرت مناسبة ذلك”.
ويرتبط بهذا المعنى العظيم، في فضل كفالة اليتيم، بما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم. ققد ورد أن هناك امرأة أرملةً ترافقه في الجنة. لأنها ضحت بشبابها لأجل أن تتفرغ لتربية أبنائها الأيتام. فامتنعت عن الزواج لأجلهم إلى أن يكبروا أو يموتوا. وفي ذلك تنبيه على أن اليتيم يستحق التضحية لأجله.
فعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة)، وأومأ بالوسطى والسبابة: “امرأة آمت من زوجها – أي مات عنها زوجها – ذات منصب وجمال، حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا” (رواه أبو داود في سننه، وحسنه الأرناؤوط).
5* كفالة اليتيم شفاء لقسوة القلب وغلظته، وسبب لقضاء الحاجات
فقد بين رسولنا الكريم أن ملاطفة اليتيم ومسح رأسه، سبب للين القلب، وشفائه من القسوة. فما بالك بمن يفعل أكثر من ذلك، ويكفل اليتيم ويؤويه، ويمسح عنه عناء اليتم، ومرارة الحرمان. فعن أبي الدرداء رضِي الله عنه، قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه؛ قال: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) (رواه الطبراني كما في صحيح الترغيب والترهيب، وبنحوه رواه أحمد في مسنده).
6* ثواب المجاهد في سبيل الله تعالى، والصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي يصلي ولا ينام
فقد قال نبينا وحبيبنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ) (رواه البخاري ومسلم). واليتيم من جملة المساكين والله أعلم.
7* فضل كفالة اليتيم: سبب لإكرام الله تعالى للكافل
فقد قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه لما جاء مذعوراً، حينما رأى جبريل أول مرة: “كلا والله لا يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” (رواه البخاري). فقد جاء في (إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض) أن من معاني “وتحمل الكل”: أي تكفل اليتيم وترعاه. لأنه كلٌ أي: عاجزٌ عن القيام بنفسه.
8* كفالة اليتيم سبب عظيم للرزق والنصر
فقد ثبت عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) (رواه البخاري في صحيحه).
وفي رواية النسائي: أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم) (رواه النسائي في السنن الكبرى).
ومن المعلوم أن اليتيم ضعيفٌ، بل من أعظم الضعفاء. فقد ثبت عند النسائي بسند جيد عن شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أخرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة) (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة واليتيم ضعيفين، وعظم انتهاك حرمتهما بأخذ مالهما، أو أي حق من حقوقهما بغير حق.
من كتاب “رفقاء … أكبر عائلة في العالم” – سلسلة غراس رقم (11) – قطر الخيرية (بتصرف).