كفالة اليتيم في الإسلام: حقه في الرعاية والنفقة والتربية الصالحة

2020-10-28

جاء الإسلام وحقوق الأيتام شأنهم شأن غيرهم من الأطفال عموماً ضائعة. فصار ملاذاً وأمناً. وجعل من كفالة الأيتام مشروع حياة. ففتح لهم أبواب الأمل، وبدل أحزانهم أفراحاً، وكآبتهم بهجةً، ورسم على شفاههم البسمة التي غيبها فقد آبائهم، ونقلهم من حالة البؤس إلى السعادة والأنس.



لقد أضحت الكثير من النصوص الواردة في الكتاب والسنة، دستوراً لرعاية الطفولة عموماً وكفالة اليتيم على وجه الخصوص عبر رعاية اليتيم والإنفاق عليه. فشكل ذلك ميلاداً جديداً لطفولةٍ آمنةٍ مستقرةٍ. وحناناً وعطفاً ورحمةً لتلك البراعم الغضة من الهلاك دون ذنب. وإعلاناً حقيقياً لحقوق الأطفال. خاصةً الأيتام فهم من باب أولى أكثر عرضةً للحرمان، وأشدُّ حاجةً لمن يواسيهم ويهتم بهم.

فهذه الحقوق المتعلقة بالأيتام في الإسلام تشترك مع حقوق الأطفال في كثيرٍ منها.


كالجسد الواحد

حملة الشتاء .. لأجل فلسطين

إيثارك اليوم.. أمان وحماية ليتيم

كفالة الأيتام عمل صالح يقربنا إلى الله ويهب مظلة أمان ورحمة للأيتام


1* حق اليتيم في الرضاعة التامة، والنفقة على أمه

فقد ألزم الله تعالى الأم أن ترضع طفلها حولين كاملين. قال الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233].

كما جعل الإسلام النفقة لها حقاً شرعياً. حتى تتمكن من القيام بإرضاعه ورعايته. وحبيبنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ) (رواه البخاري ومسلم)، فالسعي على الأرملة، وتوفير ما تحتاجه يتحقق به رعاية اليتيم والقيام بحقه.

2* حق اليتيم في الحضانة

فهو بعد ولادته يحتاج إلى توفير كل ما يحتاج إليه الولد في بداية حياته. ويشمل ذلك العناية والرعاية صحيا ونفسيا وتربوياً. حتى يتحقق بها الدفء الأسري، والحنان والرحمة. ليعيش حياةً طيبةً، كريمةً، مطمئنة. وأحق الناس بحضانة اليتيم أم الطفل باتفاق العلماء. فيجب على ولي الطفل أن يمكن الأم من حضانة طفلها. لما ورد أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء. وحجري له حواء. وثديي له سقاء. وزعم أبوه أنه ينزعه مني. فقال: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) (رواه أحمد في المسند وأبو داود، وصححه أحمد شاكر، وحسنه الأرنؤوط).

فالحديث يشير إلى أحد الشروط الواجب توفرها في الأم، وهو ألا تتزوج، فإذا تزوجت انتقلت الحضانة إلى غيرها، بحسب ما معلوم عند أهل العلم.

3* من كفالة اليتيم: حقه في التربية الصالحة

وهي من مهام وليه الوصي عليه. وأمه أو من يقوم مقامها في حضانته. لما في ذلك من أجر عظيم. حتى ينشأ اليتيم نشأة صحيحةً، متزنةً، بالاهتمام به. ناهيك عن تعليمه الآداب والأخلاق الحسنة، وغرس قيم الإسلام، وتصوراته، وعقيدته، وصيانته من الوقوع فيما يخالف الشرع، وتقويم سلوكه، ومعالجة أخطائه باتزان وحكمة، قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220].

4* حق اليتيم في النفقة عليه وكفالته

وهي من حقوق اليتيم التي أمر الله تعالى بها، وأمر بالتنافس فيها، كما قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215].

بل قرن الله تعالى كفالته والنفقة عليه بأركان الإيمان. قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ..} الآية.. [البقرة: 177].

5* حق اليتيم في الإحسان إليه وإكرامه

فاليتيم طفلٌ لديه فراغ عاطفي تركه في نفسه فقد أبيه. وتعويضه يكون بكفالته، وحسن التعامل معه، والترحيب به، والتلطف معه، والمسح على رأسه لإيناسه وإزالة الوحشة عنه، والتبسم في وجهه، واعطائه مما يجود الله به، وغير ذلك من معاني الإحسان الكثيرة.

ولذلك فإكرام اليتيم فرضٌ من فرائض الإسلام. فالله تعالى قد قرن الإحسان إليه بفرائض الإسلام الكبرى. أعظمها توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. ثم بر الوالدين، وغيرها، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].

وفي المقابل فالغفلة عن إكرام اليتيم منافية لصفات أهل الإيمان الحقيقي. قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 15 – 17].



6* حق اليتيم في حمايته مما ينتقص كرامته وإنسانيته

أمر الشرع بحماية الطفل عموماً واليتيم خاصةً مما ينتقص كرامته وإنسانيته. فجاء الخطاب بذلك إلى أسمى إنسان عرفته البشرية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]؛ ليقتدي به البشر، وليرسم لهم منهج التعامل الواجب مع اليتيم، القائم على بناء الشخصية السوية، بعيداً عن القهر والخسف الذي يعد أحد أهم أسباب انحراف الأطفال، ويحولهم إلى عاهاتٍ مستعصية تدمر المجتمع.

حيث يلجأ الطفل بسبب ما يجده من الاستبداد والقهر إلى الكذب، والمكر، والخديعة، ويتطبع عليها، وتقوده إلى غيرها من الرذائل والقبائح. فتفسد لديه معاني التمدن الحميدة، القائمة على الحمية والمدافعة عن نفسه، والمحركة له لاكتساب الفضائل والخلق الجميل.   

وهي صورة فجة بين الله قبح صاحبها، عندما يقسو على اليتيم ويدفعه ويقهره، كما بين أن تلك الغلظة على اليتيم هي خلق المكذبين بالله واليوم الآخر، قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 1 – 2]، أي: يدفعه ويغلظ عليه ويقهره.

7* حق اليتيم في تنمية ماله

فيجب الحفاظ على أموال اليتيم التي يرثها، والتصرف فيها بما يحقق مصلحة اليتيم. فإن كان يقدر على استثمارها استثمرها له حتى تزيد. وإن لم يكن ممكناً فلا يخاطر بها. قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]، ويكون ذلك بإشراف ولي أمر المسلمين، أو من يقوم مقامه في هذا الباب من الجهات المختصة.

8* حق اليتيم في حفظ ماله من الضياع

سواء كان ضياع المال بأكله بغير حق، أو بإهماله حتى يضيع. لأجل ذلك جاء الوعيد الشديد من فعل ذلك. قال الله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 9 – 10]

في الآية الأولى موعظة بليغة تذكر الغافل بخطر التفريط في مال اليتيم، وأن عليه أن يستشعر حاله لو كان هو الميت وقد ترك أطفالاً صغاراً. فليعامل أيتام غيره، كما يحب أن يعامل الناس أولاده بعد موته.

وأما الآية الثانية فتبين أن أكل مال اليتيم من الكبائر التي تهلك صاحبها، وتدخله النار يوم القيامة. فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اجْتَنبوا السَّبْعَ الموبقات” قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: “الشِّرْكُ بالله، والسِّحْر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحْفِ، وقَذْفُ المحصنات المؤمنات الغافلات”.

9* حق اليتيم في استلام ماله إذا بلغ، وصار يحسن التصرف في ماله

كما قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6].

{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2].


من كتاب “رفقاء … أكبر عائلة في العالم” – سلسلة غراس رقم (11) – قطر الخيرية (بتصرف).

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق