مشروع تعليمي ينقذها من فقدان وظيفتها معيدةً بالجامعة

2020-11-04

من أصعب الأمور في الحياة دفن الأحلام في مهدها، أو فقد الفرص الثمينة. ففي مثل اللحظات الحرجة، يقف المرء على مفترق طرق، وهو يرمق مستقبله المتأرجح بين خوف ورجاء، وإحجام وانطلاق، وذبول وانتعاش. ويمكن القول بأن طبيبة الأسنان “رهام نافذ درويش” من قطاع غزة والمعيدة في كلية طب الأسنان ـ جامعة الأزهر، قد عاشت هذه اللحظات العصيبة عام 2014، عندما أتمّت متطلَّبات التخرج من الكليّة بتفوّق. بل وكانت الأولى على مستوى دفعتها (في العام الدراسي:2013-2014).

لكنّها كانت مهددّة في نفس الوقت بأمرين اثنين. الأول: عدم استلام شهادتها أو التأخر في استلامها، وبالتالي حرمانها ـ كليّا أو جزئيا ـ من مزاولة عملها في المهنة التي أحبّتها ودرست ست سنوات من أجلها. والآخر: وهو الأهم إضاعة فرصة توظيفها معيدة في الكلية.

والسبب في الأمرين، عدم قدرتها على سداد كامل الرسوم الدراسية المستحقة عليها أولا بأول على مدار سنوات الدراسة. لأنّ والدها من ذوي الدخل المحدود. ما أدى إلى تراكم قسم من هذه الأقساط. لتجد نفسها في نهاية المطاف مُطَالبةً بسدادها حتى يتاح لها استلام شهادة التخرّج، وتشرع من ثمّ في حياتها العمليّة دون تأخير.

لحظات صعبة عاشتها رهام درويش

تقول الدكتورة رهام عن هذه اللحظات الصعبة التي عاشتها: “لقد كنتُ حزينة جداً لكوني تخرجت بمعدل عالٍ، ولم أستطع الحصول على شهادتي الجامعية بفعل تراكم الرسوم المستحقة على كاهلي. كدت أفقد حقي في التوظيف معيدةً داخل الجامعة بصفتي حاصلة على المرتبة الأولى على كلية طب الأسنان”.

وتشير رهام درويش، التي التحقت بكلية طب الاسنان بجامعة الأزهر، إلى أنها عملت بجد ومثابرة خلال سنوات الدراسة السبع لأجل تحقيق رغبتها ورغبة والدها بأن تصبح طبيبة أسنان. غير أن تعذّر دفع الرسوم المستحقة كان يعيق دخولها أحيانا إلى قاعة الامتحانات. كما أدى إلى تأخر استلام شهادتها لأشهر عدة.

شبح البطالة

والحقيقة أن معاناة الدكتورة رهام ليست حالة نادرة أو محدودة في قطاع غزة الذي يرزح تحت وطأة الحصار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. فحوالي 40% من طلبة الجامعات غير قادرين على تسديد رسومهم الدراسية. مما يؤدي إلى تعثّر دراستهم أو تأخرهم في استلام شهاداتهم.

ولذاك السبب تبنت قطر الخيرية مشروع “تحرير شهادات الخرِّيجين” لمساعدة الطلبة في تخفيف تكاليف الدراسة عليهم وتمكينهم من استخراج شهاداتهم، ووضعهم على بداية طريق العمل.

فرحة رهام درويش بحصولها على شهادة التخرج

 يعترف الأب “نافذ درويش” وهو موظف حكومي أن حلم “رهام” وحلمه وحلم كل أسرتها بأن تكون طبيبة أسنان ترتدي “المريول” الأبيض لم يكن ليصبح حقيقة، من دون تدخل مكتب قطر الخيرية في قطاع غزة. خصوصا بعد أن أدرج اسم ابنته رهام درويش ضمن قائمة ممتدة من الطلبة الخريجين الذين لم يستطيعوا الحصول على شهاداتهم الجامعية.

وتوضح الدكتورة رهام التي استفادت من منحة تسديد رسومها الجامعية، أنها تمكنت فور استخراجها لشهاداتها من الإنضمام لفريق التدريس بكليّة طب الأسنان في جامعة الأزهر بغزة.

وعن ذلك تقول بفرحة كبيرة: “لك أن تتخيّل كيف أن تنضمّ زميلا لفريق أطباء كنتَ في وقت قريب طالبا بين أيديهم”.

لا تخفي الدكتورة رهام سعادتها وهي تفخر بنفسها بعد أن باشرت العمل في الحقل الأكاديمي. لكن هذا أيضا لم يمحُ من ذهنها طموح إقامة عيادة طبية خاصّة بها. غير أنها قالت “هذا سيحتاج الكثير من المال، لكنني سأعمل جاهدة في المستقبل لأجل تحقيق هذا الحلم”.


مشروع تعليمي ينقذ رهام درويش من فقدان وظيفتها معيدةً بالجامعة

طوق نجاة

ولا ينتهي طموح رهام درويش عند إنشاء عيادة خاصة بها لممارسة مهنتها التي تحبّها. بل يمتد لرغبتها في إكمال دراستها العليا بإحدى الجامعات العربيّة، لكي تعزّز حضورها في المجال الأكاديمي.

ولم يفت الدكتورة أن تعبّر عن امتنانها لقطر الخيرية ولكل جهد يدعم التعليم الجامعي في غزة، ويسهم في تحقيق أحلام وطموحات الشباب في العمل بعد التخرج. تقول: “لقد وضعتني قطر الخيرية على أول طريق النجاح، وساعدتني على بناء مستقبل تتمناه آلاف الطالبات اللواتي هنّ في مثل وضعي”.

واعتبرت أن مشروع “تحرير شهادات الخرِّيجين” الذي تبنته الجمعية بمثابة “طوق نجاة كيلا يصاب الخريجون بخيبة أمل” بسبب قلّة ذات اليد.

وأشارت إلى أن المشروع “يعيد الحياة لهذه الفئات لأنّه يفتح الطريق أمامها للبحث عن فرصة توظيف أو استكمال الدراسات العليا”.

وتنوي د. رهام بعد أن يسر الله لها عملا مناسبا أن تخصص جزءا من دخلها ـ بقدر الاستطاعة ـ لمساعدة الطلبة الفقراء، منوهة بأن هذا “واجب ديني وأخلاقي، خصوصا لمن مرّ بمعاناة مماثلة”.


المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق